+ A
A -
في السابع والعشرين من سبتمبر عام 1970، وفي مكتب مدير الإعلام بدولة قطر (إذ ذاك) المرحوم الأستاذ محمود الشريف:
- أنت تعرف اللغة الإنجليزية؟
- تمام المعرفة، كما اللغة العربية.
- طيب روح لأخبار التليفزيون، المراقب وجع لي راسي، عاوز محررين.
وفي التوّ، توجهت لمراقبة الأخبار، كان المراقب الأستاذ محمود الخطيب، في مكتبه يدخّن سيجاراً..
- أنا فلان، بعثني إليك الأستاذ الشريف.
- أنت في أيدٍ أمينة، التدريب عندنا لمدة ستة أشهر، نقرر عقبها صلاحيتك من عدمها للعمل محرراً للأخبار.
كان التليفزيون وقتئذٍ قد افتتح رسمياً في الخامس عشر من أغسطس العام 1970، وكنت قد نقلت إلى إدارة الإعلام (ولم تكن وزارة بعد) من وزارة التربية والتعليم بأمرٍ من سمو رئيس مجلس الوزراء، دون أن يحدد لي مسمّىً وظيفياً، وكان قوام أخبار التليفزيون: مراقباً، ومحرريْن اثنين، وطابعاً للنشرة، التي كانت تأتي من أخبار الإذاعة، حيث غالباً ما كانت تُنسخ، من تلك النشرة.
في اليوم التالي 28-9-1970، استدعاني مراقب الأخبار، ودفع أمامي بعشرات القصاصات من وكالات الأنباء العربية والإنجليزية، لأصوغ منها (وأنا المتدرّب الحديث) نبأ رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
فرزت القصاصات، وغُصتُ فيها، واستطعتُ أن أحرر النبأ الذي ما إن دفعتُ به إلى المراقب، حتى أجازه، وقرئ في النشرة.. بعد يومين من بثّ النبأ، استدعاني إلى مكتبه:
- لقد تم تثبيتك محرراً في مراقبة الأخبار..
كُتب عليّ أن يكون أول خبرٍ أحرره هو رحيل جمال، الذي أحببته، وكتب عليّ، أن أتعلم في كتابة الخبر، أهمية التجرُّد من عواطفي، وأنا أمسك بعنصر الحقيقة، وأفادتني هذه التجربة الفارقة في عملي الجديد، وخطوت فيه خطواتٍ كبيرةٍ، وأنا أقف على حافة النصل، أيام أوكلت إليّ مهمة تحرير أنباء الاشتباكات بين قوات المقاومة الفلسطينية، وقوات الجيش الأردني، وتعلمت من الأستاذ الشريف، وهو أحد أبرز الإعلاميين العرب، وزميل الرحلة الناقد السوداني الكبير محي الدين محمد، التفريق بين الكتابة الأدبية، والكتابة الإخبارية.. ولم تعد الكتابة المُجَنّحة زادي في مفرادتي، وغابت الجمل الاعتراضية في نصوصي، وصرت دائم البحث عن الفكرة، ووسيلة إيصالها بعيداً عن الاختناقات التعبيرية..
عبد الناصر في حياته علمنا أن نحترم أنفسنا، ويشاء الله أن أكتب نبأ رحيله، في أول عملٍ لي في الأخبار..

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
29/09/2017
2800