+ A
A -
لماذا الآن؟!
أوضاع الأمم لا تبقى على حال، فهي عرضة للتعديل والتبديل بكل درجاته، على وقع الاحداث والتطورات، وإذا كان أحفاد صلاح الدين قد انقلبوا على ما كان سيريده لو كان حياً، فإن علاقات التنافس بين تركيا وايران قد تحولت بفضل أولئك الاحفاد الى علاقات تقارب، ربما تفضي الى علاقات تحالف، فمن يدري؟!
من حق الاكراد الحصول على دولة، وعددهم المقدر بخمسين مليونا يؤهلهم لذلك، وكذا تاريخهم وثقافتهم، لكن الجدل الدائر يطال توقيت الاستقلال وليس مبدأه، فالسليمانية الطالبانية مثلا تعارض اربيل البارازانية، والعالم جميعه، باستثناء اسرائيل والامارات، لم يؤيد إجراء الاستفتاء الكردي.
غير أن قرار سلطة البارازاني وضع المنطقة في مأزق صعب، وعلى مشارف اقتتال قد يطول، وأدى الجنين المشوه الذي قذفت به أربيل الى لجة الحروب المذهبية والعرقية، الى ازديادها اشتعالا بدل أن يساهم في اطفائها،و هو ما دفع أنقرة وطهران الى التلاقي والتنسيق.
ومنذ أن أدى رئيس الاركان الايراني الجنرال محمد باقري زيارة الى تركيا الشهر الماضي، هي الاولى بهذا الوزن منذ الثورة الايرانية، والعيون مصوبة الى قطبي المنطقة، وما أسفر عنه اللقاء من تدابير عسكرية وأمنية، ربما تشمل الاقليم كله.
وفيما خلق انحسار داعش مخاوف من تطور النفوذ الكردي في شمال سوريا وشمال العراق برعاية اميركية، تنظر دمشق، وموسكو أيضا، بحذر شديد الى خلط الاوراق بهذا العنف في داخل سوريا ومحيطها على السواء، وكأن آلاف الشياطين ترقص قرب آلاف التفاصيل.
وإذ يرى خبير كردي ان تركيا وإيران اتفقتا على منع الاكراد من تأسيس كيانات مستقلة في سوريا أو العراق، او انتقال عدوى الاستقلال الى أكراد ايران العشرة ملايين، فإن العيب، كل العيب، ينتشر على حطامنا العربي المخزي، ذلك أن التقارب التركي - الايراني يكشف العجز والفراغ الهائلين في عملية صنع القرار في العالم العربي، هذا إذا كان هناك قرار يجري التداول في اتخاذه أصلا.
ومن تابع رقعة الشطرنج بعد زيارة باقري لأنقرة، يلاحظ تزايد الاتصال والزيارات بين أردوغان وروحاني ومسؤولين كبار من البلدين، وتبدو الرئاسة الايرانية متحمسة كتركيا لتكثيف التعاون بين البلدين، إذ وصفت الوضع الحالي في المنطقة بأنه حساس للغاية ويستدعي التنسيق بين أنقرة وطهران لتحقيق الأمن. وتؤكد طهران أن تعاونا كهذا ضروري ومفيد ليس فقط لحل مشاكل المنطقة بل القضايا الاسلامية البعيدة عن جغرافيا البلدين، كمعاناة مسلمي الروهينغا على يد النظام البورمي.
ويعتقد غالبية المحللين أن استراتيجية التقارب تفعّلت على أرض الواقع، وأنها ليست محصورة بالشأن الكردي أو محاربة حزب العمال الكردستاني لإفشال الاستقلال الكردي، بل يبدو ذا أهداف طويلة الأمد ومتعددة الأوجه، تطال سوريا والعراق والتخطيط المشترك بين أنقرة وطهران بشأن الأزمة الخليجية التي افتعلتها الرياض وأبوظبي.
أما إسرائيل، فتشعر بالقلق الشديد تجاه التقارب التركي - الإيراني، وتبحث كيفية التصدي لتفاهم أهم دولتين في المنطقة، وهو ما سنبحثه في مقال يوم غد الخميس.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
27/09/2017
1508