+ A
A -
بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالميَّة الأولى بأيام، وقف جماعة من الألمان في الطابور للصعود إلى القطار، ولكن شابًا يافعًا حاول أن يتخطى الطابور، فقالت له عجوز: لقد خسرنا الحرب، ولكننا لم نخسر أخلاقنا!
وبالفعل ما كادت دورة الزمان تدور دورة يسيرة، حتى كانت ألمانيا الموقعة على معاهدة فرساي المذلّة تحتل دولًا في أوروبا بين يوم وليلة، وتقصف لندن وتغزو روسيا في آن، إلى أن هزمها جنرال روسيا الشرس: «الثلج»!
ثم ها هي ألمانيا اليوم نخاع أوروبا الشوكي ووريده!
العبرة من هذا الكلام ليس التغزل بأمجاد هتلر، ولا الشماتة فيه، ولا الثناء على ميركل من باب أولى، ما أردتُ قوله أن الهزيمة العسكرية قابلة للترميم، ولنا في اليابان المفجوعة بهيروشيما وناجازاكي عبرة! ولكن الهزيمة الحضارية والأخلاقية هي هزيمة فادحة من العسير الاستفاقة منها.
نحن أيضًا هُزمنا على مرّ التاريخ كثيرًا، وكنا كل مرة نعود، من كان يظن أن صفحة المغول ستطوى؟ بعد أن كان المغولي يقول للعربي انتظرني هنا حتى أذهب لأحضر سيفي وأعود لأقتلك فلا يجرؤ أن يبرح مكانه! ولكننا حين كنا نعود كل مرة كنا قبل أن نسلّ سيوفنا نقوّم أخلاقنا، وكانت رايتنا ترفرف باسم الله وجيوشنا تحتل عواصم أوروبا في سبيل الله!
إن الله حين مدح نبيه لم يمدحه بنسبه مع أنه كان من أعرق العرب نسبًا، ولم يمدحه بقبيلته وقد كانت سيدة القبائل، ولم يمدحه بوطنه وقد كانت مكة أم القرى، ولكنه مدحه بأخلاقه فقال: «وإنك لعلى خلق عظيم» ثم هو بعد ذلك يخبرنا أنه قد بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، وما ردّ النجاشي صديقه عمرو بن العاص يوم أراد منه أن يسلمه القلّة المهاجرة إلا أن جعفر بن أبي طالب أخبر النجاشي عن الفوارق الأخلاقية بين دين قريش ودين محمد صلى الله عليه وسلم.
نحن اليوم مهزومون عسكرياً وعلميًا، وهذه رغم فداحتها سنة من سنن الله في الكون، ليست المرة الأولى لنا، وربما لن تكون الأخيرة، كل الدول التي بلغت أشدها يومًا، ما لبثت أن تقهقرت وزالت، راجعوا التاريخ، واسألوا أنفسكم، أين الممالك والإمبراطوريات القديمة برّها وفاجرها، هل بقي منها شيء! ولكن هناك هزيمة أكبر من الهزيمة العسكرية هي الهزيمة الأخلاقية، ونحن اليوم مهزومون بأخلاقنا!
نظرة واحدة على حال البيوت تخبرك أين كنا وأين صرنا!
جولة على الدوائر العامة والوزارات تلخص لك مفهومنا للمال العام!
الجميع يحدثونك عن احترامهم للمرأة ولكن نسبة الطلاق في ازدياد!
الجميع يحاضرون في النظافة وشوارعنا تشكو إلى الله ظلم العباد!
الجميع يتحدثون عن ظلم الحكام وكلنا نمارسه على كل الذين لنا عليهم سلطة إلا من رحم ربي!
لا شك أن البعض منا خلوق وعادل، ولكن الهزيمة تقع على الأمة جمعاء لا على الأفراد، والنصر إنما يكون نصر أمة لا نصر أفراد، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كتاب الله وسنة رسوله!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/09/2017
4127