+ A
A -
عندما أراد الصّينيون القدماء أن يعيشوا بأمانٍ، بنُوا سورَ الصّين العظيم، واعتقدُوا أنه لا يمكن لأيّ عدو أن يتسلقه نظراً لارتفاعه الشّاهق، ولكن المفاجأة كانتْ أنه خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السّور، تعرضت الصّين للغزو ثلاثَ مرّات، وفي هذه الغزوات الثلاث لم تكن الجيوشُ الغازية بحاجة إلى تسلّق السُّور الشّاهق، أو اختراق حجارته المنيعة، وإنما كانوا يدخلون من الأبواب بعد أن يدفعوا رشوةً للحُرّاس!
القضية باختصار: قبل بناء الجدران علينا أن نبني الإنسان!
بالطّبع ليس لديّ شيءٌ ضدّ فنون العَمارة، تشدُّني المباني الأنيقة، وتذهلني الأبراجُ الشّاهقة! وليس لديّ شيء ضدّ أن تسعى دولة ما بشتى الطرق لتصد أي عدوان على أراضيها، أحترمُ الأمم التي لا تركع! ولكن ما أنا ضدّه هو أن نهتم بالحجر على حساب البشر! وأن نتطاول بالبنيان وننحدر بالإنسان!
القلاع الحصينة لا تسقط إلا من الداخل، وأفضل طريقة لحفظ الأوطان وتحصينها هو بناء الإنسان وتحريره، لأنه لا يُدافع عن الأوطان إلا الأحرار، أما الجائع فلا يُدافع إلا عن خبزه!
ما فائدة أن نتطاول في البنيان، وعلى مقربة من البرج سجن، يدور في أروقته ما يدور في المسالخ!
ما فائدة وزراء السّعادة، والترفيه، والفرفشة، والتكييف إذا كان حراماً أن يكون للمواطن رأي غير رأي الحكومة، وعاطفة غير عاطفتها!
ما فائدة المساجد الكبيرة ما دامت المنابر للتسبيح بحمد ولي الأمر أكثر من التسبيح بحمد خالق ولي الأمر!
واللهِ، لستُ ضدّ الأبراج والبنايات، ولا ضدّ المساجد والمنابر، ولا ضد الترفيه والسعادة والفرفشة والتكييف، أنا فقط ضدّ صناعة الجياع، لأن الجائع ليس له ولاء إلا للرغيف!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
21/09/2017
2891