+ A
A -
علينا ان ندرك ونحن نراقب نزول داعش عن الشجرة الباسقة التي تسلقها، والانتهاء الفعلي لدولة الخلافة المزعومة التي اقامها في مساحة تساوي نصف العراق وسوريا، ان هناك «تنظيم دولة» آخر يتشكل على وقع التطورات المتسارعة التي ستوفر له الحجج والمبررات لمواصلة ارهابه بوسائل وأماكن اخرى.
ورغم سقوط «دولة الخلافة» دون الاعلان عن ذلك بعد، تحت ضربات التحالف الجوية والبرية، ليس مبررا الاعتقاد بأن داعش قد انتهى. فخلاياه مبثوثة في الشرق الاوسط والخليج والولايات المتحدة وآسيا وشمال افريقيا، وتفيد التقارير بأن آلاف المجندين الفارين من هزائمهم في الموصل والرقة يتدفقون الآن الى كافة القارات وعلى الاخص جنوب شرق آسيا، التي تضم دولا مثل الفلبين واندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، وهي منطقة ذات كثافة سكانية اسلامية تفوق العالم العربي.
معلومات موثوقة نشرت في تلك العواصم، تؤكد ان قادة داعش بصدد انشاء دولة خلافة ثانية في الفلبين على الارجح، وتحديدا في اقليم «ماندناو» الاسلامي الجنوبي.
ولا احد يستطيع ان ينكر ما تعرض له ذلك التنظيم الموغل في الارهاب والذي لم يسبقه الى تلك الوحشية تنظيم آخر عبر الزمان، من خسارة عظيمة هدمت كافة المؤسسات الضلالية التي اقامها في دولته، غير ان اجتثاث داعش كخلايا وفكر ظلامي امر غير قابل للتحقيق في المستقبل المنظور، وهو ما يضمنه استعداد اتباعه لتنفيذ العمليات الانتحارية في اي بقعة تخطر على البال.
وفيما يؤكد الباحثون والاكاديميون تقلص داعش المتواصل على الارض بحيث لم تبق له في سوريا والعراق سوى جيوب متفرقة، غير ان ما يتناساه العديدون او يتناسونه، او حتى يرفضون تصديقه، او يتهموننا بالمبالغة، هو ان الاسباب التي ساهمت في قيام داعش عام 2014 ما زالت سارية ولم يخضع اي منها للبحث او المعالجة.
وما زال الهائمون في دنيا الخيال عاجزين عن الربط بين نشأة داعش على يد قاعديين من امثال ابومصعب الزرقاوي وضباط من الجيش العراقي الذي فككه (حرفيا) الحاكم الاميركي لبغداد، وبين إقصاء السنة في سوريا والعراق.
زرعوا البذرة وقتها، وبعد عشر سنوات صدم العالم بمشاهد الذبح والسحل والدمار الجنوني لداعش ودخول الحرب المذهبية مرحلة اشد خطورة وحقدا ودموية.
وسط ذلك كله، ما زال يتعين الإقرار بأن الحلول المفروضة بالقوة العسكرية او الارهاب لم تُجْد في الماضي ولن تجدي في المستقبل. وإذا كانت الشعوب الاوروبية قد تمكنت منذ قرنين من انهاء سفك الدماء بين الساسة والقساوسة وبالتالي تحييد الكنيسة وقبر محاكم التفتيش، فإن محاكمنا ما زالت تعمل بذات القدر من الوحشية تحت ستار الدين حينا، وباسم الحرية حينا آخر.
الطغاة يقدمون انفسهم كإصلاحيين او منقذين، والبسطاء يصدقون، وينتظرون الفرج والصلاة في بيت المقدس. ولكن ينسى هؤلاء البسطاء وهم الاغلبية، انه لم تتحقق عندنا تسويات تاريخية تنهي المظلوميات وعلى رأسها المظلومية السنية، وتفرض بكل طريقة ممكنة تعايشا ما، بين السنة والشيعة.
وإذا لم يحدث ذلك وبسرعة، فنحن على موعد مع فصل آخر أشد توحشا. لذلك لا مفر من تأمين انظمة عادلة وتعددية, مهمتها وقف التضييق والاعتقال والإقصاء.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
19/09/2017
1344