+ A
A -
فُطِرت النفسُ البشريةُ على تقبُّل العبارات الإيجابية والدعاء بالتوفيق والصلاح، والستر.
في نفرة الشباب، عملتُ معلِّماً في مدارس المرحلة الابتدائية بوكالة الغوث للاجئين في قطاع غزة، وكان عملي في بلدة رفح التي تبعد عن بلدي غزة مسافة خمسةٍ وأربعين كيلومترا، وتقوم حافلاتٌ استأجرتها الوكالة بنقلنا إليها ومنها يومياً، وكان هذا يقتضي من العبد لله الصحو فجراً لأداء الصلاة، ثم تناول ما تيسّر وكوب شاي، يشيع الدفءَ في جو بلادي البارد، واللحاق بالباص، قبل إقلاعه في السادسة والنصف صباحاً.
في البيت، كانت ستّي (جدّتي) بنت حلب الحاجّة بهية الكيالي، تسبقني في الصحو والصلاة، يشعلون لها موقد الفحم (الكانون) ويعدّون لها القهوة السادة، فتجلس حوله، تسبّح الله، وتردد الأدعية، وحين أقبل عليها توجّه دعاءها لي:
- ربنا يحبّب فيك خلقه، ويفتحها في وجهك، وتستضيفني لقهوتها، ثمّ أقبّل يدها، وأستأذنها في اللحاق بالباص، فتشيّعني بهذا الدعاء:
-روح يا ستّي محمد قدّامك، وعلي وراك، وعين السوْ لا تشوفك ولا تراك.
كان هذان الدعاءان يرطّبان أيامي، ويحصّنان روحي من أية إرهاصاتٍ خبيثةٍ، أو أرواحٍ شرّيرةٍ، وما أكثرها في أيّ زمانٍ ومكانٍ!
نحن مجبولون على الخير وتقبّله، والسعي له، والتمكّن منه. والنزوع إلى الشرِّ ليس من صفات النفس البشرية السويّة، إلا تلك النفوس المعذَبة المقهورة.
وبجانب دعواتنا التي نطالب فيها بتطوير وتحسين نُظُم التعليم وآلياته، والرعاية الصحية، والفنون، والخدمات الاجتماعية، دعونا نؤكّد على الحب والرعاية النفسية، للأبناء في الأسرة والمجتمعات الصغيرة، فأبناؤنا بحاجةٍ إلى هذه الوجبات النفسية والروحية التي تعمل عمل السحر في تنشئتهم أصحاء عفيّين قادرين على مجابهة الحياة بأنوائها وعِلَلها.
وأنا أؤمن أن الطفلَ المستقرَّ نفسياً أقدر على التجاوب، ومن ثَمَّ العطاء من طفلٍ آخر، حُرم من ذلك، فالاستقرار النفسي في حياة المرءِ هو زاده في رحلة الحياة، وتقبل تقلُّباتها.

آخر السطر: عودة الحجيج
-وغسلتُ آثامي وعدتُ مطهَّراً مما ترسَّب في ثنايا الرّوحِ
لا زلَّةٌ بقِيَتْ، ولا أكذوبةٌ عَلِقَتْ، ولا هنّاتً نفسِ جموحِ
بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
15/09/2017
4176