+ A
A -
يأتي وقت نجد أنفسنا فيه على مفترق الطريق، ولا يكون أمامنا سوى خيارين، إما أن نقف في مكاننا وندع الحياة تستمر من حولنا، أو نختار ان نتحرك، ولا يهم الاتجاه، يمينا أو يسارا، المهم أن نتحرك، لقد كتب الروائي الروسي الشهير «ديستوفسكي» روايته الضخمة «المغامر» في ستة وعشرين يوما فقط، وكان أثناء انهماكه في كتابتها يكتب رواية أخرى هائلة هي «الجريمة والعقاب» وينشرها مسلسلة في جريدة البشير، في تلك الفترة كان يمر بأزمة مالية طاحنة، واضطر مرغما على التوقيع على عقد نشر مجحف، تعهد فيه بأن يسلم الناشر «التاجر» رواية جديدة في موعد محدد، وإذا لم يفعل فإنه يحق للناشر أن يحتكر نشر كل إنتاج جديد لمدة تسع سنوات بلا مقابل، وكان كلما تناقصت الايام واقترب موعد التنفيذ يزداد قلق الروائي الكبير، وقلق أصدقائه عليه من الجهد الجبار الذي يبذله، واقترح عليه أصدقاؤه أن يجلس معهم ويشرح لهم الفكرة التي تدور في رأسه، ويطلعهم على الشخصيات وتطور الاحداث، ثم يكتب كل واحد منهم عددا من الصفحات ويقوم هو بعد ذلك بتنقيحها وتعديلها لتتسق مع ما كتب، ولكنه رفض هذا الاقتراح، رفض ان يضع اسمه على عمل لم يكتبه بنفسه، وأخيرا لم يجد امامه سوى ان يكتب بطريقة مبتكرة، تعتمد على استغلال الوقت وتنظيمه، إذ قسم يومه إلى عدة أقسام، كان يملي على سكرتيرته من الثانية عشرة ظهرا وحتى الرابعة عصرا جزءا من رواية «المغامر» وبعد ذلك تتفرغ هي لكتابة ما اختزلته، ويعكف هو على كتابة فصل جديد من «الجريمة والعقاب» ثم يقضي شطرا من الليل لكتابة الجزء الذي سيمليه في اليوم التالي على سكرتيرته، وفي الصباح الباكر ينقح ما كتبته في اليوم
السابق، ويعيش في جو الرواية، ليبدأ الاملاء من جديد، باختصار لم يكن ينام الا بضع ساعات لا تخلو من تفكير وقلق، ومرت ايام الشهر سريعا وقبل ان ينتهي بأيام حمل الرواية التي انتهى من كتابتها وطفق يبحث عن الناشر الذي اتضح انه من اللؤم بحيث غادر المدينة حتى لا يستلم المخطوطة ويخسر عقدا سيدر عليه ذهبا، لكن ديستوفسكي لم يكن مستعدا لليأس بعد كل هذا التعب، وخطرت له فطرة ما لبث أن نفذها، ذهب إلى مركز شرطة تابع للمنطقة التي يعيش فيها الناشر، واظهر العقد المتفق عليه ومعه الرواية كاملة، واثبت في مذكرة رسمية انه التزم بالاتفاق، وبذلك نجا من الشرك الذي كان سيقع فيه، ومن جشع الناشر الذي أراد أن يستغله للأبد.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
14/09/2017
3762