+ A
A -
سأل أحدهم الفيسلوف «سقراط» قبيل محاكمته عن أعز أمنية لديه؟ فقال: أن اصعد إلى أعلى مكان في أثينا وأنادي بأعلى صوتي قائلا: أيها الرفاق.. لماذا تتهالكون على جمع المال وتفنون أعز سنين حياتكم في عبادة الذهب، في حين تبذلون جهدا قليلا جدا... بل إنكم لا تعنون إطلاقا بالعناية بأطفالكم الذين ستضطرون يوما لأن تتركوا لهم كل شيء!! اعرف سيدة تحتفظ بمذكرة كتبت عليها بحروف كبيرة هذه الأحرف القليلة «لم لا» وفي هذه المذكرة الصغيرة كانت تدون كل انواع الخواطر والمقترحات الجذابة التي تطرأ على بالها في نهاية اليوم: «لماذا لا نأخذ الأطفال في جولة إلى مركز المطافئ أو الشرطة؟ لماذا لا نزور مزرعة ونحاول حلب بقرة؟ لماذا لا ننظم رحلة إلى البحر؟ لماذا لا نزرع شجرة أو نبتة؟ وكانت تقوم بتنفيذ كل ذلك مع أطفالها في نهاية كل أسبوع، وحين سألوها من أين تأتي بهذه الأفكار.. كان جوابها: «لست أدري. لكنني حين كنت طفلة كان لي عم عجوز رائع دأب على فتح أبواب المعرفة لي كما افتحها الآن لأطفالي» ان القدرة على التعجب والشكر والإحساس بالحياة والبهجة تراث لا يقدر بثمن وفي مقدور كل أب أو أم ان تهبه لأطفالها. ان حضور فيلم أو زيارة حديقة أو مكتبة أو حتى مراقبة النجوم بمشاركة الأطفال تقربنا منهم. وتقربهم منا. وتجدد نبض الحياة فينا وفيهم.. ولا يغيب عن ذهني صورة المراهق الذي سرق سيارة والده وتعرض لحادث رهيب. وكان غضب الوالد لتهشيم سيارته أشد من خوفه على ابنه الراقد بين الحياة والموت. وكانت أول جملة نطق بها بعد غيبوبة استمرت لساعات: أين أبي؟ هل كان يعرض حياته وحياة الآخرين للفت انتباه والده.. ربما.. بيد ان الأب فشل في تلقي الرسالة، لقد كان مشغولا لدرجة انه لم يلحظ ان نفسية ابنه البكر تحطمت قبل تحطم السيارة. وحتى بعد مرور عام على الحادثة ما زال يتجاهله ولا يتبادل معه سوى أقل الكلمات، ولا يدع فرصة تمر دون أن يذكره بحماقته التي كادت تودي بحياته.. سيكبر الابن المراهق نعم.. وسيتخطى هذه المرحلة نعم... لكنه أبدا لن ينسى ان والده لم يشاركه أصعب اللحظات.. اللحظة التي كاد ان يفقد فيها الحياة. ان حياتنا كما يقول الفيلسوف ثورو تتبدد وتتلاشى في التفاصيل. لان هناك اوقاتا لا نملك فيها الوعي ولا الطاقة ولا روح الأثرة لنتوقف عند هذه التفاصيل. حيواتنا وشخصيتنا تتشكل من تلك التفاصيل الصغيرة.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
12/09/2017
3608