+ A
A -
كانت مدام كوري تكره كل مظاهر الشهرة والمجد، وكانت تعتبر نفسها سجينة مقيدة بالأغلال تساق رغما عنها للعرض على الجماهير ورجال العلم في الندوات والحفلات. لذا كانت تحرص على عدم ارتداء القبعة والرداء الجامعي حتى لا تتميز عن الموجودين. ولم تكن تعير الألقاب والنياشين التي تنهال عليها بغزارة أي اهتمام، وكان الشيء الوحيد الذي تحرص عليه في كل هذه المظاهر الاحتفالية التي تقام على شرفها هو قوائم الطعام التي توزع في المآدب التي تقام لها. والتي كانت تحتفظ بها ككنز ثمين. وذلك لأنها مصنوعة من ورق سميك وقوي يلائم تسجيل المعادلات الرياضية على ظهورها البيضاء. وكان زوجها مثلها يكره الشهرة ويشعر أنها تعوق أبحاثهما وتبدد طاقتهما في ما لاجدوى منه. وكانت هي تتنكر أحيانا كي تنعم بيوم راحة تقضيه في الريف مع أسرتها الصغيرة. وتبذل كل جهدها كي تختفي عن أنظار الصحفيين. وحدث ذات مرة ان صحفيا أميركيا راح يتقصى أخبارها حتى علم أنها تقيم في قرية صغيرة من قرى الصيادين في مقاطعة بريتاني الفرنسية، فتوجه إلى تلك القرية وسأل عن الطريق المؤدي إلى كوخ آل كوري. وهناك وجد على الباب امرأة عادية المنظر ترتدي ثوبا اسود وبسيطا وتجلس على عتبة الباب حافية القدمين. فحسبها الخادمة. ولما سألها هل أنت مدبرة المنزل؟ أجابت بنعم ولم تكن تكذب. وعاد يسأل: هل السيدة في الداخل؟ وكان الرد: كلا إنها في الخارج. ومضى يطرح الأسئلة بعد ان جلس إلى جوارها على درج السلم المنخفض: هل لك ان تخبريني بشيء طريف عن حياتها الخاصة. وكان جواب ماري التي حسبها الخادمة: لا شيء لدي، سوى رسالة من مدام كوري للصحفيين. قللوا من اهتمامكم الفضولي بالناس. وكثفوا اهتمامكم بالمبادئ والأفكار!!
قال عنها اينشتاين إنها الشخصية العظيمة الوحيدة في العالم التي لم تفسدها الشهرة والالقاب... حكاية مدام كوري رسالة موجهة لكل من يتكئ على شهرة قريب -زوج أو- أب أو اخ- أو ابن عم، ويظن أنه فوق البشر وفوق القانون. شهرة لن تصل بأي حال من الاحوال لشهرة العظماء الذين تركوا للبشرية إرثا خالدا في كل المجالات، وإنما شهرة كل قوامها طاولة ومقعد.. شهرة منصب غير ثابت. شهرة تلخصها جملة قديمة لا ينتبه لها أحد: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك...

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
07/09/2017
3077