+ A
A -
معظم السوريين تواقون للمصالحة، لكن ذلك ليس بالأمر الهيّن، لأن المجتمع الدولي استسلم كما يبدو لعملية سلام متعثرة وغير مُحْكمة. فالتغير الذي طرأ على سوريا ككيان، لا يعني ان الحقائق الاساسية للصراع قد تغيرت، ذلك ان المؤيدين للنظام والمعارضين له بقوا على آرائهم ومواقفهم.
لهذا فإن في سوريا حقيقتين ترمزان الى السلطة المركزية (المفترضة) والمعارضة (الثوار)، رغم ان هناك مجموعة من حقائق اخرى فرعية تؤشر الى وجود اطياف سياسية وإسلامية وإرهابية، ما زال يتعين إما احتواؤها او قبولها كأطراف مشاركة إذا أريد للتسوية ان تنطلق.
نعرف انه لم يبق خارج سيطرة النظام وروسيا وحزب الله سوى دير الزور والرقة وإدلب وبضعة جيوب خطرة متناثرة، غير ان الحل السياسي الذي حذر دي مستورا من غيابه المستمر، يشكل عقبة كبرى قد تطيح بكل شيء جراء التهميش الطائفي للقطاع الاعرض من الشعب، وهو ما يتكرر الآن في العراق ويمنع المصالحة المتوازنة في البلدين.
سيكتشف النظام وراعيه الروسي ان اخضاع المعارضة بالقوة، واعتبار كل معارض ارهابيا خطآن كبيران يهددان بانهيار ما تم تحقيقه في جنيف والأستانة وموسكو والرياض وواشنطن، غير ان هذا الخيار الشائك والمشكوك في جدواه كان الوحيد القابل للتنفيذ من خلال «اللملمة واللّفلفة»، وتسوُّل مكونات الطبخة.
ومعلوم ان الاغلبية السنية المستبعدة، شكلت العمود الفقري للثورة، بينما وقفت الاقليات وخاصة العلوية الحاكمة ظلما، مع بشار الأسد. غير ان الغفران ليس سهلا ولا هو مجرد كلمة تقال. وحتى لو اصدرت الحكومة عفوا عاما، فإن الناس بحاجة الى وقت قد يمتد جيلا، حتى يبدأ النسيان.
ويعتقد صحفيون عرب وأجانب يجوبون سوريا هذه الايام على خلفية الهدوء النسبي السائد، ان التحضير لاعمار حمص المدمر اكثر من نصفها، مهمة شبه مستعصية، لأن الطوائف متعددة والاحياء السكنية مختلطة، خاصة أن فقدان الانسجام المجتمعي منذ الحملة العسكرية ضد المحتجين المدنيين عام 2011، ما زال وراء القطيعة السائدة بين الاطياف المختلفة، وهو ما جعل مراسلة فاينانشيال تايمز «إريكا سولومون» تقول بعد جولة هناك انها تظن ان دائرة العنف ستعود للأسف.
الروس أدركوا خطورة وخطأ ما يجري من ترقيع، خاصة ان السفر على الطرق السريعة يحسس المرء انه في بلد اشباح لا مدن اشباح فحسب، علما بأن عشرة ملايين سوري اضطروا لترك منازلهم خلال الحرب، وبأن 80 % من الناس في سوريا تحت خط الفقر.
سوريا اليوم اشبه بأحجية صعبة الحل، ما دفع موسكو الى إقناع واشنطن وأنقرة وطهران وأوروبا بضرورة قبولها الحل المتوفر رغم كثرة عيوبه. أما عندما يُرفع بوجهك السلاح من الثائر والجندي، فمعناه ان الثقة منعدمة وأن الفرق ما زال غير موجود بين الانسان وجثته.
تركيب اجزاء المشهد لتعود كما كانت امر مستحيل، كالآنية حين تسقط على الأرض. لكن التضاريس ما زالت قيد التبادل او التمدد او التقلص بين المجموعات المسلحة. كيف إذن سيتماثل الناس الى الشفاء، وكيف يمكن ان تتلاقى الأعراق والأطياف قبل إخماد جمرة الكراهية، ورفع المظلومية عن الاغلبية السنية المهمشة؟
ويبدو المهزومون للصحفيين، تواقين للانتقام، بل وإعادة الكرّة إذا تطلب الأمر. فالمسألة أعقد بكثير من مجرد القول إن بشار انتصر، لأن الأسباب التي ولّدت الظلم والتمرد على الدولة البوليسية لم تعالج إطلاقا.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
06/09/2017
1656