+ A
A -
يقف كثير من الباعة المتجولين في تقاطعات طرق العاصمة السودانية أو قرب إشارات المرور. من الواضح جداً أن معظمهم من النازحين أو اللاجئين. يعرض هؤلاء سلعاً منزلية أو بعض الأدوات وأحياناً حتى فواكه وخضر.
اللافت للانتباه أن من بين هؤلاء الباعة صبية بل حتى أطفال من سوريا، يحملون مسابح وبعض قطع الديكور ومصنوعات خشبية يدوية بسيطة. يعرض الصبية سلعتهم في انكسار لا تخطئه العين، يستعطفون راكبي السيارات بلهجة سورية لشراء هذه السلعة.
في المطاعم والمقاهي، خاصة في الأحياء الراقية نسبياً يعمل لاجئون من إثيوبيا واريتريا كندل (جمع نادل).
تفيد تقارير صحفية أن عدد اللاجئين في السودان يزداد بمعدلات لا يمكن لاقتصادات البلاد المتداعية أن تتحملها.
لا توجد أحياء بعينها يقطنها اللاجئون في الخرطوم، إذ إنهم ينتشرون في جميع الأحياء التي يتاح لهم فيها الحصول على سكن، وهم يمتهنون في الغالب مهناً هامشية، ويفضلون العاصمة على غيرها لوجود إمكانية للتكسب أو التسول.
معظم هؤلاء اللاجئين يأتون من «دولة جنوب السودان». كان عددهم قبل أربع سنوات في حدود 416 ألف لاجئ، بيد أن 170 ألف لاجئ آخر وصلوا هذه السنة. لكن حامد الجزولي مفوض اللاجئين في السودان يقول إن بلاده تستضيف حالياً مليوني لاجئ من بينهم مليون و300 ألف من «دولة جنوب السودان».
نسب إلى فيليبو قراندي المفوض السامي الأممي للاجئين قوله إن معظم لاجئي جنوب السودان مدنيون من النساء والأطفال، وعزا ذلك إلى الفشل في تحقيق السلام في «دولة جنوب السودان» منذ اندلاع نزاع مرير على السلطة في عام 2013، وقال فيليبو قراندي عقب زيارة لمعسكر للاجئين يعرف باسم «معسكر النمر» في شرق دارفور «هؤلاء اللاجئون تركوا كل شيء خلفهم، النساء تركن أزواجهن ويحاولن مع أطفالهن إيجاد وسيلة للعيش، ويخشون العودة إلى قراهم غير الآمنة التي تعيش في مرمى نيران المتقاتلين».
وأبدى فيليبو قراندي ملاحظة تحتاج إليها كثيراً حكومة الخرطوم، حيث جاء على لسانه «أقول للعالم إن السودان يفتح أبوابه، في وقت تغلق فيه الكثير من الدول أبوابها»، ودعا إلى تقديم مساعدات للحكومة السودانية، ومضى يقول «يجب ألا ننسى أن السودان أضحى دولة أساسية تستقبل اللاجئين، ليس فقط من جنوب السودان بل كذلك من سوريا وأريتريا».
ولعل من حسن حظ حكومة الخرطوم أن تتزامن هذه التصريحات مع ما قاله ديبلوماسي أميركي بارز زار العاصمة السودانية، والتقى إبراهيم غندور وزير الخارجية السوداني، ونوه بما يقدمه السودان للاجئين. وقال مارك قرين المدير العام للوكالة الأميركية للتنمية الدولية في أعقاب اللقاء مع غندور «نقدر موقف السودان الإيجابي في استضافة وإيواء اللاجئين، وتفاعله مع الأوضاع الإنسانية في دولة جنوب السودان من خلال فتح أربع ممرات إنسانية». وأشار قرين إلى «جهود حثيثة لتطبيع علاقات واشنطن مع الخرطوم».. لكنه أرسل تحذيراً مبطناً عندما تساءل في لقاء صحفي «لا نعرف ما هي الضمانات أن تستمر حكومة السودان في سياساتها الإيجابية، بعد رفع العقوبات».
تبدي بعض المصادر الرسمية التي التقيتها في الخرطوم تفاؤلاً بشأن رفع العقوبات في أكتوبر (تشرين أول) المقبل، بعد أن وعدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمراجعة العقوبات في موعد حدد له 12 أكتوبر المقبل.
ثمة اعتقاد في الخرطوم أن البلاد تحولت إلى أكبر حوض بشري للاجئين في إفريقيا، إذ إن الأرقام المعلنة من طرف الحكومة وأكدتها الأمم المتحدة، ليست هينة وتضغط على الخدمات في العاصمة السودانية التي تشكو أصلاً تردي هذه الخدمات خاصة في مجالات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، لكن «ورقة اللاجئين» الآن أصبحت من الأوراق القوية التي تحاول الحكومة السودانية استعمالها لرفع عقوبات اقتصادية أنهكت بلادا منهكة أصلا بسبب الحروب والنزاعات.
رب ضارة نافعة.

بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
02/09/2017
2656