+ A
A -
اللغة كائن، هو من حال إلى حال.. وأحوال اللغة من أحوال الزمن.
هذا زمانُ الإيجاز. زمانُ السرعة، والسندوتش و« تيك اوي» والسيارة الميني، والمرأة.. المرأة التي تحملها بأصبعين، وتجري بها، تسابق آخرين، كما يتسابق بشريكاتهم، أهل البلاد التي تشرق شمسها في منتصف الليل!
كيفما يكون شكلُ المرأة، في أي من الأزمان، يكون شكل اللغة.
تلك مغامرة مني، أن أقول ما أقول.. لكن ياصحابي، ماطعم الدنيا، لولا المرأة.. واللغة، معا.
المرأة أنثى.. واللغة أنثى.. وكذا المدنية والحضارة.. وما التذكير لاسم الشمس عيب.. ولا التذكير يضيف لها أبهة، وشعاعا، ويُسرّع طلوعها الساحر، في كل صباح تال!
تأنيث اللغة، في الفم، هو من انجاز الأمم الرقيقة.. وتأنيثها في الكتابة، هو من خيرات الكتاب الذين تطهروا من إرث المجتمعات الذكورية!
انظروا إلى غواية اللغة، في فم صبيات شارع الحمرا، وفي فم فيروز، وفي فم أي لبناني.. وانظروا، إلى طعم الجملة في اللسان الفرنسي.. وطعمها في فم أي مخطوطة لكتاب فرنسيين، أو للكتاب الذين تذوقت أسماعهم اللغة الفرنسية.
تلك أمم، في لسانها، حلاوة.. وفي كتاباتها حلاوة.. وفي الإثنين، نوع من الطرب والتطريب العجيب.. وما أجمل الطرب والتطريب-أيضا- الذي لا تلازمه آليات الجوقة.. أي جوقة!
الأقدمون، حاولوا ما استطاعوا، تنقية لغتنا، من الحشو. حاولوا أن تكون من زمن الزمن.. والزمن في كل أزمانه يركض. أرادوها راكضة، فعابوا التطويل في الجملة، والتسكع في الوصول إلى المعاني..
حاولوا.. واكتسبوا حظا من النجاح، برغم أن عصرهم، هو عصر المرأة «نؤومة الضحى المكسال» التي« تمشي الهوينا.. مر السحابة لا ريث ولا عجل»!
لله درهم.. أرادوا اللغة رشيقة، وقالوا- بينهم وبين أنفسهم- الكلام لك ياجارة، حتى تسمعي ياكنة.. ولم تكن تلك الجارة، سوى «هريرة» ومن شابهها من النساء.. ولم تكن تلك الكنة، سوى عبلة وبثينة، ومن شابهتهما، اكتنازا.. شحما ولحما!
بعض المعاصرين، نجحوا. لغتهم مفعمة بالحيوية، مثل كرات البغ بونغ. عباراتهم رشيقة، لكأنما تمارس «الجم».. وكتاباتهم لها طعم الجملة، في شارع الحمرا!
ما أجمل اللغة، تلك التي لا تعاني من الترهل.. وارتفاع الكولسترول.. ما أحلاها تتنطط، مثل كرة الطاولة!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
28/08/2017
2678