+ A
A -
أتألَّم لحالكَ يا مَن تَفتقد جرعةَ كرامة قد تُعطي لحياتكَ مَعنى، بينما هذا الذي يُمَرِّغُ إنسانيتَكَ في التراب يَرتاد المركبات التجارية الفاخرة ليَنتقي أغلى وأشهى الْمُعَلَّبات، ويَعود إلى بيته ليَنحني بذوق وأدب وهو يُطبطب على كلبه، ويَضع قبالَتَه (الكلب) حشوةَ المعلب وهو يُفرِغُها متأملا المشهدَ بكل الحُبّ..
ابن المحظوظة الكلبُ!
الكلب يَختلف عن بُؤَساء الحَرب (بما فيها صيحات الحرب الساخنة والحرب الباردة) الذين يَعمد الطُّغاة إلى تجويعهم وذبحهم على باب الحياة دون أن تَرْأَفَ قلوب الطُّغاة..
وبكل الغبن الكائن والممكن يتساءل متسائل: ألا يتمنى البائسُ الْمُعَذَّب لو أنه كان ذلك الكلبَ المحظوظَ الذي يُحْسَد على ما هو فيه من نعمة؟!
الإنسان إرادة، وفي المقابل هو لسانُ تَمَرُّد، تَمَرُّد على الميزان الذي يُصْلَبُ الإنصافُ على عموده، ويُعَلَّقُ ريش طيور الحُبّ على حَواف كَفَّتَيْه..
الإنسان قوة داخلية ينبغي لها ألاَّ تُقهر، لكنها تُقْهَر.. الإنسان قَلْب بالقوة يُحْلَب ويُعْتَصَر.. الإنسان حَبْل مَشاعر لا يَقطعه إلا خنجر الزمن.. لا يَعرف في صحراء وجوده إلى أي نخلةِ منطق يرَكن أو يستكين.. يا للمسكين! المسكين الجَسور في زمن النُّسور!
يَتعلق الإنسانُ بالوهم والسراب، ويَتسلق حِبالَ دالية العذاب في سعيه الدؤوب إلى العثور على قُوتِ القلوب، لكنه، تعسا له، لا يَجني غير العِنب الْمُرّ..
لِقِلَّة إيمانه بالحقيقة يُصَوِّرُ له عقلُه أن الحياةَ برتقالة، فإذا به لا يُغادر محطةَ شغبِ الطفولة وهو يُمَنِّي نفسَه بالبطولة، البطولة بِقَفْزة تَجرّ الأخرى فالأخرى، طَمَعاً في قَطْف البرتقالة..
يُهَرْوِلُ العمرُ غير مُكترِث بالطفل الْمُعَلَّق بين نَفَقَين (الحياة والموت)، ويُهرول الطفلُ حافِيَ القدمين..
في الحياة لا تُوجَد سَلالِم للنجاة. في الحياة لا يُوجَد أكثر من شَراب مُسْكِر يُسَمَّى المحاوَلة، فإمّا أنك تَخيب، وإمّا أنك تُصِيب..
الطفلُ الشقي الذي يُسَمَّى الإنسان يَتَقَلَّبُ شَيّاً على مجمر الرغبة، الرغبة في قطف برتقالة.. يُحَدِّق في الشجرة، يَقفز، يُعانق الساق، ساق الشجرة، يُحاكي صعودَ كائنات الغابة، أحيانا يَقِفُ له كبيرها عائقاً وأوسطها مُلاحِقاً، وأحيانا أخرى يُعادِيه صِغار الغابة..
الطفلُ يَخونُه العمرُ، لكن الرغبةَ مازالت مشتعلةً كالجمر.. يُريد البرتقالة، فلا مجال ليُفَكِّرَ في غير البرتقالة..
يَتعثر، يَسقط، يَنكسر، تَنكسر أسنانه، لكنه يَعود في النهاية وفي يَده البرتقالة، ولا يَعرف المسكين أنه بَذل عمرا دون أن يَفطن إلى حقيقة البرتقالة الْمُرَّة.. ويَندم بعد فوات الأوان على سنوات الضياع التي دفعَها معاناةً وهو في طريقه إلى برتقالة الحياة..
مُرَّة يا برتقالة الحياة!
نَافِذَةُ الرُّوح:
«القلبُ بُستان، وُروده طاقةُ الحُبّ المتفجرة فيكَ، وطِيبُه طَيْبُوبَتُكَ».
«سُكوتُك عن الحق جريمةٌ نائمة».
«الوَرد واحد، لكن الطِّيبَ يَختلف».
«بين شَجَرَتَيْ وَرد يَمتدّ جِسرُ الوِدّ كأروع ما يَكون».
«تَعَلَّمْ دَرسَ الحُبّ قبل الحَبّ».
«حتى لا تَقَعَ في مصيدة الزمن لا تنحدرْ طَمَعاً في الحَبّ الجاهز».
«زُهْدُكَ في حَصاد الآخَرين مفتاح لِمَنْجَم الذَّهَب الذي تَفْتَحه لكَ قوةُ الفِكر».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
24/08/2017
3170