+ A
A -
إن الاعتقاد من قبل دول عربية وخليجية على الأخص بإمكانية اختراق الولايات المتحدة من خلال المال السياسي بهدف تحقيق أهداف سياسية هجومية تتصدى لدول عربية أخرى فيه قصور استراتيجي. هذه السياسة قد تنجح مؤقتا في بناء حالة، لكنها تفشل في المدى المتوسط وتؤدي لخلق تناقضات متشعبة، وذلك لأن الولايات المتحدة ليست مكونة من البيت الأبيض، الذي سيخرج ضعيفا متضعضعا من الفضائح والفوضى الراهنة، بل الولايات المتحدة مكونة أساسا من الرأي العام الاميركي صاحب القوة الأهم، ومن وسائل الإعلام والكونغرس ومراكز الدراسات والقوى الحقوقية والجامعات وغيرها.
ويبدو للمراقب بأنه بعد تراجع مكانة النفط وتأثيره، واشتعال أزمة الشرعية في العالم العربي، تسعى بعض الدول العربية للارتباط بقوى وسيطة للتأثير في الإدارة الاميركية. ويتم ذلك من خلال التركيز على التطابق مع بعض موضوعات اللوبي الإسرائيلي حول حماس والمقاومة الفلسطينية وإيران والإسلام السياسي وتركيا. ويتم تعزيز هذا التصور بنفس الوقت مع تيارات أقصى اليمين في الساحة الأميركية. وتتم تقوية هذا التوجه بصفقات مالية وصفقات السلاح الضخمة. وبينما يمتلك المال السياسي اليهودي قاعدة أميركية ضخمة تقدم له حرية التصرف والتأثير، لا يمتلك المال العربي الخليجي هذه القاعدة. فبالإمكان عزله وضربه ان اتخذ في لحظة ما سياسات مستقلة عن اللوبي اليهودي. وقد يقال بلا مبالغة إن هذا استقواء بالخارج على الداخل بلا مبررات مقنعة عقلانية، وهو يحمل في طياته مخاطر كبرى على إمكانية استقرار المنظومة العربية برمتها.
ويسبح المال السياسي اليهودي في الولايات المتحدة وسط حالة ثقافية ومؤسساتية أميركية تتبناه وتسهل له طريقه وهو أكثر قوة وقادر على توريط دول عربية بموضوعاته وأجندته الإقليمية والعربية. فالثقافة الأميركية ركزت، رغم علمانية الدولة، منذ عقود، على التراث اليهودي المسيحي المشترك بكل تناقضاته لكنها أيضا ارتبطت بقيم الديمقراطية والحريات. وهذه أمور يفتقدها اللوبي العربي الخليجي الساعي للتأثير في الساحة الأميركية.
إن قيمة المال السياسي العربي الذي تقدمه سفارات عربية ودول عربية تتطلب تواصله مع قاعدته الشعبية العربية الإسلامية في الغرب والولايات المتحدة. فحضارتنا الإسلامية العربية منذ عقود تواجه تحريضا سلبيا في الغرب لأسباب تاريخية، ولأسباب تتعلق بدور الصهيونية. وبينما اللوبي اليهودي يسعى أو يدعي بأنه يسعى لتمثيل مصالح اليهود الأميركيين سلبا وإيجابيا، يشعر العرب الاميركيون والمسلمون بمن فيهم المسلمون الملونون في الولايات المتحدة أن المال العربي يتحالف في الآونة الاخيرة مع قوى تناصب العرب والمسلمين الكثير من العداء.
من جهة أخرى يتحول المال العربي الخليجي للتعاقد مع شركات العلاقات العامة لتمثيله وتحسين صورته في الساحة الاميركية. في معظم الحالات تواجه هذه السياسة نتائج سلبية، وذلك عندما يتضح بأن هذه الشركات ضللت الرأي العام الأميركي وممثليه، وقدمت خدمات لبعض اسوأ الديكتاتوريات في كل من آسيا وإفريقيا. هذه الشركات فقدت الكثير من المصداقية في العقود الماضية. ومن أهم أسباب قيام الدول العربية باستخدام شركات العلاقات العامه التعويض عن إقصاء دور الثقافة والمثقفين من المواطنين في هذه الدول. فالمثقفون هم الطرف الأهم القادر على مخاطبة الرأي العام الغربي، لكن دورهم يتطلب أولا حريات ومرونة وعدم الخضوع لأجهزة أمنية وإعلامية موجهة، بل ويتطلب الأمر تنوعا في الطرح لا تمتلكه معظم الدول العربية الملتزمة بالرأي الواحد والتوجه الأحادي.
ويرتبط نجاح المال السياسي العربي في العاصمة الأميركية بمدى تمسك الدول العربية بموضوعات أخلاقية تجاه العرب والمسلمين. ولا يمكن أن يتم ذلك دون التمسك بالثوابت العربية وفي مقدمتها رفض ممارسة العنصرية ضد المسلمين، والتمسك بالقضية الفلسطينية وتثقيف الغرب عن العالم العربي وأزمة علاقة الشرق بالغرب. وهذا التوجه بإمكانه أن يتكامل مع حرية السعي للوصول لمكونات الولايات المتحدة المختلفة بهدف توضيح واقع العالم العربي والتحديات التي يمر بها. إن مقدرة الرسميين العرب على مخاطبة الرأي العام الأميركي وتياراته المختلفة لا يمكن ان يقع بنجاح بلا تبني حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة في المجتمعات العربية إياها، فكل خطاب يجرم العمل السياسي ويرفض مبادئ التنوع والحقوق ويركز على تجارة السلاح والتماهي مع خطاب عنصري موجه ضد المسلمين سيصل لطريق مسدود عند أول منعطف.
بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
20/08/2017
3370