+ A
A -
يقول الرّائع مصطفى محمود في كتابه نقطة غليان: «هذا هو شأن العالم منذ خمسة آلاف سنة، الراقصة تكسب أكثر من الكاتب، والطبال يكسب أكثر من الخباز والحداد والنجار، ولو أنك دعوتَ آينشتاين لندوة علمية ثم دعوتَ امرأة عارية لحديث صحفي لترك الجمهور آينشتاين وعلمه وتجمعوا حول المرأة العارية بالألوف»!
وليس بعيداً عما قاله مصطفى محمود، خرجتْ علينا مجلة «فوربس» بقائمتها السنوية لأهمّ مائة شخصية عربية، ولم تختلف قائمة هذا العام عن قوائم الأعوام السابقة من حيث المضمون، فكان هؤلاء «المهمون» على الشكل التالي: ثلاثة وخمسون مطربا ومطربة، خمسة وثلاثون ممثلا وممثلة، واثنا عشر مقدم ومقدمة برامج! لا يوجد في هذه القائمة كاتب ولا شاعر ولا مفكر ولا شيخ ولا داعية ولا رياضي ولا رجل أعمال، ولا أي بني آدم سبق وأن أحدث تغييراً إيجابيا في فرد واحد، فضلاً أن يكون قد أحدثه في هذا العالم!
يريدون أن يقنعونا أنّ محمد عساف أهم من رائد صلاح، وتامر حسني أهم من الحسن ولد الددو، ورامز جلال أهم من عبد الله النفيسي، ومحمد حماقي أهم من عبد العزيز الطريفي، ونانسي عجرم أهم من خديجة بن قنة، وجوزيف عطية أهم من إبراهيم نصر الله!
لستُ من أصحاب نظرية المؤامرة، ولا أحب تعليق أخطائنا على شماعة الآخرين، على يقيني أن الآخرين ليسوا أبرياء تماماً من بعض ما وصلنا إليه، أحياناً تكون الضحية هي ضحية نفسها قبل أن تكون ضحية جلادها، ولكني أجد هذه القائمة مؤامرة! أو بتعبير أدق قائمة تسويقية، ثمة من يريد أن يقنعنا أن هؤلاء هم القدوات الحقيقية التي يجب أن تُحتذى!
لا أُنكر أننا نهتم كثيراً بالأمور السطحية والناس السطحيين، ولكن هذا شأن الأمم جميعاً لا شأننا وحدنا! ولكن الفارق أنك هنا تجد التصنيف والانحياز فاقعاً، ولو كان في أميركا مثلا لكان من الطبيعي أن تجد في القائمة مطربا وراقصة، ولكنك ستجد في المقابل رياضيا، أو رجل أعمال، وحتما ستجد نعوم تشومسكي!
يريدون أن يُحطموا فينا حتى رغبتنا في النهوض، خذ مثلاً قولهم «أمة اقرأ لا تقرأ «، ودراسات من نوع أن العربي يقرأ سطراً في السنة بينما يقرأ الأميريكي عشرين كتابا في السنة، وهذا كذب! نحن لا نقرأ سطراً وهم لا يقرأون عشرين كتابا، ذهبتُ إلى معرض بيروت للكتاب، ومعرض جدة، ومعرض الشارقة، فكان الزحام على الكتب كالزحام الذي أجده في المطاعم، لماذا يريدون أن يخبرونا أننا نأكل فقط! بعضنا لا يقرأ وهذا شأن بعض كل المجتمعات، وبعضنا لا يهتم بالشأن العام وهذا شأن بعض كل المجتمعات، بعضنا مهووس بالمطربين والممثلين وهذا شأن بعض كل المجتمعات، ولكن تصوير هذا الوطن العربي على أنه مسرح أو مرقص تصنيف لا يمكنني في أي حال من الأحوال أعتباره بريئاً!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
17/08/2017
4635