+ A
A -
هل أصبحت مصر، والتي وعد بأنها ستصبح «قد الدنيا»، في طريقها للتحول من «أم الدنيا» إلى «أم العجائب»؟ أظن أنه يحق لنا اليوم طرح هذا السؤال، خصوصاً أن بعض النواب في البرلمان يدعون اليوم لإجراء تعديلات دستورية واسعة النطاق، تستهدف في معظمها توسيع صلاحيات الرئيس وزيادة فترة ولايته إلى 6 سنوات بدلاً من أربعة.
المطالب الخاصة بإجراء تعديلات دستورية ليست جديدة، فقد سبق لهؤلاء النواب أن طالبوا بإجراء تعديلات مماثلة، حتى قبل أن يفتتح البرلمان دورته الأولى رسمياً، لكنها لم تؤخذ في حينها على محمل الجد، ربما لأن البعض اعتبرها نوعاً من النفاق الرخيص، وتزلفاً زائداً عن الحد لمن يدينون له بنعمة الوصول إلى مقاعدهم البرلمانية الوثيرة.. أما وقد عادت هذه المطالب للظهور من جديد، وبإلحاح شديد هذه المرة، وقبل ستة أشهر فقط من الموعد المقرر لبدء الإجراءات الانتخابية، فقد بات هذا الأمر مدعاة للتندر حيناً، وللعجب حيناً، وللسخرية أحياناً كثيرة، فلم يعد هناك أي مجال للشك بأنها موحي بها من دوائر صنع القرار في النظام الحاكم في مصر وربما من رأس هذا النظام نفسه.
ما يثير العجب هنا أن النواب المطالبين بهذه التعديلات لم يقرؤوا الدستور الذي يفترض أن يكونوا هم حراسه وأول الداعين لتطبيق نصوصه واحترامها، ولو كانوا فعلوا لأدركوا على الفور أن مطالبهم هذه غير دستورية، وبالتالي غير شرعية.. صحيح أنه يمكن تعديل الدستور المصري باتباع إجراءات محددة، شأنه في ذلك شأن كل دساتير العالم، لكن الدستور المصري الحالي بالذات يحرم تحريماً قاطعاً إجراء أي تعديلات تستهدف تقييد الحريات أو تركيز السلطات في يد شخص واحد، لأن المادة 226 من الدستور، والتي تنظم إجراءات تعديل الدستور، تنص على ما يلي بالحرف الواحد:
«وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات».
وليس هناك من شك في أن التعديلات المقترحة تتناقض نصاً وروحاً مع ما ورد في هذه المادة، مما يؤكد مرة أخرى أن النظام الذي يحكم مصر لا يحرص مطلقاً على احترام قواعد الدستور الذي صاغته القوى التي ساهمت في تفجير انتفاضة 30 يونيو وقبل ذلك في تفجير ثورة 25 يناير، وبالتالي فهو لا ينتمي إلى أي منهما.. من هنا تولد إحساس قوي بأن كل شيء بات ممكناً ومباحاً في مصر الآن، سواء تعلق الأمر بانتهاك الدستور القائم نصا وروحا أو العمل على تعديله بطريقه تفرغه من مضمونه وتحوله إلى أداة لتكريس الاستبداد.
إذا رجحت كفة المطالبين بتعديل الدستور ونجحوا في تعديله فعلاً قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، أنه لن تجرى انتخابات رئاسية في مصر قبل عام 2020، وسيجرى بدلاً منها استفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة من جانب البرلمان!. ومن الطبيعي أن يفسر هذا التطور من جانب قوى المعارضة في مصر، إن كان قد بقي منها شيء، أن رئيس مصر الحالي يخشى من الانتخابات ويسعى للهروب منها، لأنه يدرك يقيناً أنه سيخسرها لا محالة إن توافرت فيها الحدود الدنيا من النزاهة والشفافية.. لكن كيف لرئيس حصل على ما يقرب من 98 % من أصوات الناخبين قبل ثلاث سنوات فقط أن يخسرها الآن.. ألا يشكل ذلك تناقضاً يستعصي على الفهم؟
الغريب أن الأبواق الإعلامية للنظام تتحدث هي الأخرى عن مأزق الانتخابات الرئاسية القادمة، ولكن من زاوية أخرى تتناقض كليا مع رؤية المعارضة، ألا وهي غياب المرشح القوي القادر على منافسة الرئيس السيسي!.. بعبارة أخرى يمكن القول إن المقربين من الرئيس يخشون من الانتخابات الرئاسية القادمة لأن تكرار تجربة «المرشح الكومبارس» لم تعد مستساغة، ولأن عدم وجود مرشح قوي لمنافسة السيسي ينال من مصداقيتها في الوقت نفسه.. وفي ظل هذه المعضلة يبدو أن تفكير عباقرة النظام هداهم إلى أن التأجيل هو الحل، وهو ما يفسر عودة المطالب الخاصة بتعديل الدستور في نفس الوقت الذي كان يفترض أن يشهد صافرة بدء السباق نحوها..
ألم أقل لكم إن مصر باتت «أم العجائب»!!!
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
17/08/2017
2564