+ A
A -
الانزعاج الإيراني من ما تخططه روسيا واميركا في سوريا بدأت مفاعيله تظهر في لبنان. قرار قيام وزير من «حزب الله» بزيارة رسمية إلى دمشق للقاء نظيره في نظام بشار الأسد أثار عاصفة من الاعتراض. وهي خطوة تشكل إمعانا في التحدي للحكومة اللبنانية التي تشهد قضما متصاعدا لصلاحياتها وتهميشا لدور رئيسها الذي يراوح مكانه ويتخبط بين خيارات أحلاها مر. والقصد من هذه الخطوة الجديدة تطبيع العلاقة مع دمشق وإعطاء نوع من الشرعية لنظام الأسد، الذي كان قد أرسل الوزير السابق ميشال سماحة إلى لبنان محملا بالمتفجرات!
ويأتي قرار «حزب الله» بعد المعركة التي شنها لتحرير جرود عرسال من الإرهابيين على الحدود اللبنانية-السورية، والذين تبين ان عددهم لا يتجاوز المائة وخمسين مسلحا، وقد كلفته أكثر من ثلاثين قتيلا في حين تمكن الإرهابيون عبر المفاوضات من فرض شروط المغادرة بأسلحتهم، وكذلك اخراج المدنيين الذي يفوق عددهم تسعة آلاف.
وتكمن المفارقة في أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تقوم بالتعاون مع الاجهزة السورية بتأمين نقلهم إلى محافظة ادلب السورية.
معركة الجرود كانت عبارة عن مسرحية أخرجها «حزب الله» بالتنسيق مع النظام السوري لتنفيذ عملية «ترانسفير» (تطهير مذهبي) لهذا الجيب (السُني) الذي لا تعترف سوريا بلبنانية جزء من أراضيه، والذي يشكل حجر عثرة في طريق دويلة الأسد (العلوية) على طول الشريط الساحلي الممتد من دمشق حتى اللاذقية.
ويبدو الآن ان «حزب الله» مصر على لي ذراع رئيس الحكومة. وقد جاءه دعم علني مباشر من رئيس البرلمان نبيه بري الذي أعلن من طهران ان التنسيق يجب ان يعود بين لبنان وسوريا «لما فيه منفعة للبلدين» معلنا عن استعداد أحد وزرائه أيضا لزيارة دمشق. وقد ذهب أكثر من ذلك قائلا: «ترفضون ذهاب وزير وكل «حزب الله» في سوريا!».
بري ليس غافلا بطبيعة الحال عن ان «حزب الله» يقاتل في سوريا دفاعا عن النظام بقرار ذاتي خلافا لموقف لبنان الرسمي، وهذا يؤكد ان قرار الضغط على لبنان من اجل تعويم الأسد هو قرار إيراني يحاول ان يحتاط لمضاعفات الاتفاق الروسي-الاميركي في جنوب سوريا الذي قطع الطريق على مشروع طهران بالتمدد براً عبر بغداد إلى دمشق ثم بيروت.
إيران تريد التأكيد ان سوريا ولبنان يجب ان يبقيا تحت سيطرتها، وان بيروت بدورها يجب ان تبقى ملحقة بدمشق. فهي تخشى ان التنسيق بين موسكو وواشنطن قد ذهب بعيدا رغم الكباش مع الكونغرس الاميركي. تنسيق يبدو انه أفضى، بحسب بعض التسريبات، إلى صفقة تقوم على تقاسم النفوذ (نفط وغاز وقواعد) انطلاقا من تحويل سوريا إلى ما يشبه الدولة الفيدرالية مع بقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية، واطلاق يد موسكو في إدارة المرحلة اللاحقة مقابل كف يد طهران واخراج ميليشياتها من الميدان السوري، وتحجيم الدور التركي عبر خلق حكم ذاتي للاكراد في شمال سوريا.
ويقوم «حزب الله» بترجمة الضغط الإيراني لاضعاف الشرعية اللبنانية عبر احراج الجيش اللبناني الذي يستعد لخوض معركة انهاء وجود «داعش» المرابط في جرود رأس بعلبك. فقيادة الجيش أعلنت انها ليست بحاجة لأي مساعدة و«حزب الله» يصر على مشاركة ميليشياه في المعركة، لدرجة ان رئيس الجمهورية الحليف للحزب اضطر إلى عقد اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع والاعلان عن ان الجيش قادر على حسم المعركة بمفرده، ولا يريد دعم أحد. فرد «حزب الله» مؤكدا انه سيشارك هو وقوات الأسد في القتال من داخل الاراضي السورية!
غير ان واشنطن تراقب عن كثب ما يجري، فهي تعزز منذ فترة وجودها العسكري في لبنان. وتؤكد وزارة الدفاع الاميركية انها «ستوفر المساعدة للقوات المسلحة في محاربة الجهاديين»، ولو نفت ان أي أميركي لن يشارك في القتال في شكل مباشر. وفي الوقت عينه حذرت لبنان من انها اذا اكتشفت وجود تعاون عسكري مع «حزب الله» فلن تقف مكتوفة الأيدي.
بقلم:سعد كيوان
copy short url   نسخ
15/08/2017
2464