+ A
A -
عندما تحدث سفير إحدى دول الحصار الثلاثي في واشنطن عن استراتيجية نظام دولته ومن تحالف معها حول ما أسماه السعي إلى رؤية شرق أوسط جديد في العشرية القادمة تحكمه أنظمة علمانية قوية، ويبدو الخطاب في ظاهره محاولة لتقديم رؤية سياسية ترضي القوى الغربية النافذة والقلقة حول مصالحها في المنطقة.
غير أن أي قراءة متأنية لما طرحه الشخص المعني وربطه بالأحداث الجارية في المنطقة يجعلنا ننتبه إلى جملة من النقاط الأساسية الثاوية بين السطور، والتي حاول صاحبها ممارسة أشكال من التعمية عليها عبر محاولة تمرير مغالطات متعددة لذهن الجمهور المتلقي.
فعلمانية الأنظمة في المنطقة العربية ليست أمرا جديدا أو مطلبا مستحدثا، وكل مراكز الدراسات الغربية تدرك أن غالبية الأنظمة العربية المعنية بحديث السفير إنما هي في جوهرها دول علمانية من جهة الواقع والممارسة، حتى وإن لم تعلن هذا المبدأ بصورة واضحة في دساتيرها، وأن النظام الوحيد في دول الحصار الذي يعلن تبنيه صراحة للشريعة ويعتبرها أساسا لشرعية الحكم ومصدرا للتشريع هو نظام المملكة السعودية، فهل كان يقصد السفير بكلماته هذه الدولة التي يتحالف معها؟ وهل هو بصدد تقديم صك براءة من كل التوجهات الإسلامية بنوع من التورية من أن المستقبل السياسي سيغير بنية أي نظام يعلن تبنيه للشريعة نحو رؤية علمانية صرفة؟
من جهة أخرى يتغاضى السفير عن مسألة أساسية يعلمها كل مراقب موضوعي، وهي أن أزمة الدول العربية لا تعود إلى ما يعتقده السفير حول تبنيها للعلمانية، بقدر ما يرتبط أساسا بطبيعتها الاستبدادية وسياساتها الفردية التي تستبعد الرأي العام الشعبي من المساهمة في القرار السياسي الذي يخص بلدانها. فأزمات من قبيل الطائفية وصراعات الهوية وحالة التذمر الشعبي، إنما تعود في جوهرها إلى غياب سياسات فعلية تعبر عن الإرادة العامة وتحترم الخيارات الشعبية.
أما ما يخفيه الخطاب الذي يحاول السفير المذكور تبنيه والترويج له باعتباره من بنات أفكاره وإبداعاته السياسية، فهو أن هذا التصور هو في الأساس ما طرحه شمعون بيريز في كتابه الشهير «الشرق الأوسط الجديد» الذي صدر في أواخر سنة 1993 ويعبر فيه عن ذات المخاوف التي تحدث عنها السفير والتي تتلخص في ضرورة محاربة القوى السياسية الإسلامية من جهة وظهور أنظمة عربية ذات قابلية للتعاون مع الكيان الصهيوني لبناء ما سماه الشرق الأوسط الجديد. ولأن أفكار بيريز حينها لم تجد الصدى الكافي لدى الجمهور العربي فيبدو أن أنظمة عربية معينة سارعت لاستعادة هذا الخطاب والترويج له ممارسة وفكرا.
ومما يؤيد هذا الطرح هو تسارع خطوات التقارب بين دول حصار قطر والكيان الصهيوني بشكل مثير للريبة، بداية من الاشتراك في شيطنة كل أشكال المقاومة، ومرورا بمحاصرة قطر بوصفها دولة داعمة لقوى التحرر المناهضة للمشروع الصهيوني، ووصولا إلى الحديث عن أنظمة عربية قوية مستقرة بمعنى أنظمة حاكمة قادرة على تمرير الأجندات الخفية التي تخدم مصالح الصهاينة في المنطقة.
وبنظرة سريعة لترتيب الأحداث الجارية يمكن أن نلاحظ القلق المشترك والسعي المتماثل بين دولة السفير ودولة الصهاينة من الربيع العربي ومحاولة إجهاضه في المهد قبل أن يشتد عوده وفي ذات الوقت نرى أن دول الحصار ومن تابعها اتخذت خطوات لمزيد التضييق على المقاومة بداية من تدمير الأنفاق على حدود غزة ومن ثم وصم المقاومة بوصف الإرهاب وأخيرا حصار قطر والمطالبة بإغلاق قناة الجزيرة التي تشكل هاجسا مؤرقا لدول التحالف الجديد. ثم ألم يبادر الكيان الصهيوني إلى إغلاق مكتب قناة الجزيرة في القدس مبررا قراره بأنه استند إلى «قيام دول عربية سنية بإغلاق مكاتب الجزيرة لديها وحظر عملها»؟
إن محاولة تمرير مشروع صهيوني في المنطقة ومن خلال لباس عربي هذه المرة لن يشفع لأصحابه أمام الرأي العام العربي ممارسة أشكال من البلطجة السياسية ضد دولة عربية شقيقة ومجاورة، فقد أثبتت الوقائع أن كل هذه الخيارات مصيرها الفشل والزوال.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
15/08/2017
2722