+ A
A -
يبدو أن باكستان مقبلة على مرحلة جديدة من اللااستقرار السياسي على ضوء قرار محكمتها العليا مؤخرا بإزاحة رئيس الحكومة المنتخب نواز شريف. والسبب مرة أخرى هو الفساد الذي خيم على الحياة السياسية وطال معظم زعماء البلاد، ربما باستثناء القائد المؤسس «محمد علي جناح» وخليفته «لياقت علي خان» اللذين لم يعيشا طويلا، وحكما في حقبة لم يكن في الباكستان ما يغري بالفساد.
جاء قرار المحكمة على خلفية اتهام شريف وابنائه بامتلاك عقارات مسجلة في الخارج ولم يستطيعوا تقديم ما يفسر كيفية حصولهم عليها، ناهيك عن عدم إفصاح شريف عنها للسلطات المعنية، الأمر الذي عده قضاة المحكمة بالإجماع فسادا لا يؤهل صاحبه للبقاء في السلطة.
وهكذا يـُتوقع أنْ يُحظر على شريف العمل في السياسة لمدة عشر سنوات على أقل تقدير، كما أن ابنته مريم التي كان يعدها لتكون وريثته السياسية لن تتمكن من قيادة باكستان في المستقبل، ولن تصبح «بي نظير بوتو» ثانية لكن بنكهة بنجابية.
نعم، كان شريف يعد ابنته لخلافته على نحو ما فعله ذوالفقار بوتو مع ابنته الموهوبة بي نظير التي نافسته سياسيا بضراوة، كما نافسته جهويا واقطاعيا في ظل حقيقة التنافس التاريخي المستمر بين اقليم السند مسقط رأس آل بوتو، وإقليم البنجاب مسقط رأس آل شريف، غير أن جهود قوى عدة تضافرت لإسقاط شريف وأحلامه، قبل أن يـُكمل فترته الدستورية المتبقي منها نحو عشرة أشهر، وذلك تكرارا لسيناريو حدث في ثلاث مناسبات سابقة:
ففي 1990 فاز في الانتخابات ووصل إلى السلطة، لكن رئيس الجمهورية آنذاك «غلام اسحاق خان» أقاله في 1993 على خلفية اتهامات بفساده، وعلى الرغم من صدور حكم قضائي بعدم دستورية إقالته، إلا أنه اضطر للتنحي تحت ضغوط جنرالات الجيش.
وفي 1997 انتخب مجددا، لكن أطيح به ونفي في 1999 عبر انقلاب تزعمه قائد الجيش آنذاك الجنرال برويز مشرف.
وفي 2007 عاد من المنفى الاجباري وترشح في الانتخابات وفاز مجددا، كما تكرر فوزه في انتخابات 2013 التي تلتها حركة احتجاجات واسعة نظمها منافسه لاعب الكريكيت السابق «عمران خان» الذي لم يكف مذاك عن خلق الصداع لشريف تارة عبر تأليب الرأي العام المحلي عليه، وتارة عبر تقديم بلاغات ضده يتهمه فيها باستغلال مناصبه في الكسب غير المشروع.
ومن هنا قيل ان عمران خان هو أحد أضلاع المثلث الذي تآمر للإطاحة بشريف، على اعتبار أن الضلع الثاني هم القضاة الخاضعون لإملاءات العسكر، والضلع الثالث يتمثل في المؤسسة العسكرية التي ربما أرادت التخلص من شريف فأشارت للقضاة بإدانته.
ولعل ما يؤيد الفرضية الاخيرة هو أن الثقة مفقودة بين شريف والعسكر منذ قيامهم بالانقلاب عليه في 1999، ناهيك عن اتساع الشرخ بينهما بسبب اصرار العسكر على الامساك بالكثير من ملفات العلاقات الخارجية، وقد تجلت خلافات الطرفين مؤخرا في انتقادات وجهتها حكومة شريف للجيش حول فشله في التصدي للجماعات الإسلامية المتطرفة.
بطبيعة الحال خرج من يصفق لقرار المحكمة العليا زاعما أنّ اطاحة السلطة القضائية لرأس السلطة التنفيذية لهو دليل على سير البلاد على طريق الشفافية والديمقراطية.
لكن هناك الكثيرين ممن يخالفون هذا الرأي ويقول انه بسبب ظروف نشأة باكستان وتطورها السياسي وترنحها ما بين النظامين المدني والعسكري ظلت السلطة القضائية وستظل دوما مجرد أداة لإضفاء المشروعية على قرارات الساسة، بل وعلى انقلابات العسكر أيضا على نحو ما حدث في الأعوام 1958، 1977، و1999، مع وجود حالات استثنائية قليلة اصطدم فيها القضاة مع الساسة والعسكر.
سيبقى شريف خارج المشهد السياسي، لكنه سيلعب حتما دورا من خلف الكواليس إذا ما تمكن شقيقه شهباز شريف (كبير وزراء إقليم البنجاب حاليا) من تشكيل حكومة بعد الفوز بمقعد برلماني في الانتخابات الفرعية المقرر إجراؤها بعد شهرين لملء المقعد الذي شغر بطرده. لكن ما سيحدد مدى شعبيته، ومدى تأثرها بقضية فساده، والمدى الذي نجح فيه محازبيه من حيث تصويره كضحية لـ «مؤامرة» هي الانتخابات العامة القادمة في 2018.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
06/08/2017
2742