+ A
A -
المرض من أعدى أعداء الإنسان،وهو بالنسبة للأديب،الذي ابتلي بفرط الحساسية،مأساةٌ،لأنه يشلُّ قدرته ويعوق رغبته الجامحة في الإبداع.
على السرير الأبيض يكون المريض رهن أوامر الأطبّاء،ورحمة ومزاج الممرضين والممرضات،تعتمل في رأسه الأفكار،ولا يجد وسيلةً للبوح بها،أو صوغها،فتظلّ حبيسة صدره،كما هو المرض حبيس جسده.
خلال الأسبوعين الماضيين،شلّ صداعٌ نصفيٌّ قدرتي على تأمل الحياة،والمشاركة في حركتها،كان يتنقّل كضيفٍ ثقيلٍ ما بين مكونات الطرف الأيسر من رأسي:ما بين تنميلٍ،وصدعٍ وطنينٍ..شغلتُ بهذه الأمور عما سواها،،إلا أنها هموم ذاتية،أعادت إلى ذاكرتي قراءة الصحفيّ الشاعر «صالح جودت» أحد أبرزشعراء مدرسة «أبوللو»،وأحد أجمل من كتبوا صوراً ذاتيةً عن أدباء عصره.
كان صالح جودت في شبابه مصاباً بذات الرئة،وأُنزل المستشفى جرّاءَ ذلك،وهناك كانت ترعاه ممرضةٌ يبدو أنها كانت على درجةٍ من الملاحة والحسن،أو هكذا خُيِّل إليه،وهو المعزول عن الدنيا،ومن فيها..قال لتلك الممرضة:
-أيا ممرِّضتي الحسناءَ،أيُّ يدٍ...ألقت بنا في أراضٍ غيرِ حسناءِ؟
كان صالح جودت معتدّاً بنفسه،ولم يكن في شعره كمجايله «أحمد رامي» الذي يقول:-حتى الجفا محروم منّه؟..يا ريتها دامت أيّامه.
كان جودت يقول لمحبوبته:-لئن غرّروكِ بسحْر الجمالِ...لسحرُ الرجولةِ عندي أنا..
تواردت على خاطري هذه الخواطر،وأنا رهن تلك الآلام المبرحة التي لا تستقر على موضعٍ بفعل الصداع النصفي،وتركت المونولوج الداخلي يتنقّل كمؤشِّر الراديو السريع دون أن يستقرَّعلى محطّةٍ بعينها،حينما قرأت محاولةٌ شعريةً لأحد الشبان،يشكو فيها لوعته،وحرقة قلبه،وعذاب وجدانه،وخربان بيته لهجران حبيبته له..
- ترى..هل كان الشعرُ (ديوان العرب) على هذه الصورة المريضةِ؟
أعتقد كلا،فالشعر،كونه أحد أبرز فروع الأدب،يطلب النفس الأبية،والاعتداد بها،ويجسّد الرجولة ومعانيها،وفي موروثاتنا الأدبية ما يؤكد هذه الحقيقة التي أرجو أن يركز عليها،واضعو مناهجنا التربوية..
ولا أختم قبل أن أعرِّج على بيت أبي فراسٍ الحمدانيّ الشهير:
-إذا الليلُ اضواني،بسطتُ يدَ الهوى...وأذللتُ دمعاً،من خلائقه الكِبرُ.
بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
04/08/2017
3872