+ A
A -
اشتكى الفيلسوف جيتة ذات يوم من القيود التي تحد من انطلاقه في كتابة الكثير مما يعتمل في رأسه وأولها خوفه من تأويل كتاباته تأويلا قد يسبب له ضررا، وتمنى لو أن الفكر والثقافة العالمية ملكا شائعا بين البشر، ليسهل على الكاتب عملية الكتابة، ويكون مخلصا وصريحا فيما يكتب، ولا يخشى اللوم ولا النقد، لكنه ملزم في واقع الأمر بأن يبقى عند مستوى معين، لعلمه أن كتاباته ستصل إلى خليط من الناس، وهكذا عليه أن يكون حذرا في إخلاصه وأن يقنن حماسه، وضمت الكاتبة اللبنانية «جمانة عيد» صوتها إلى صوت جيتة ولكن مع الكثير من المرارة والآلم: «فأن تكوني امرأة تكتب في بلد عربي يعني أن تحتالي قليلا، وتواربي كثيرا، وتستعيري من هنا وتتقنعي من هناك، أن تكوني امرأة تكتب في بلد عربي يعني للكثيرات وليس للجميع لحسن الحظ أن تسمي الأشياء بغير أسمائها، فيصير العشيق مثلا صديقا عزيزا والأب المتعصب والد ابنة الجيران المسكينة «ليس والدي مثلا» وهلم جرا، أن تكوني امرأة تكتب في بلد عربي يعني أن تواجهي مرارا وتكرارا تلك الشكوك المهينة التي تلفق لك من رجل في مكان ما يستل قلمه في الخفاء ليكتب عنك ما تنشرينه باسمك الخاص، أن تكوني امرأة تكتب في بلد عربي يعني أن تمارسي على نفسك رقابة ذاتية، لهي أقسى وأشرس وأشد اعتباطية وظلما من ألف رقابة رسمية تفرض عليك من الخارج، أن تكوني امرأة تكتب في بلد عربي يعني أن تخططي طويلا وتبحثي عميقا وتحسبي بدقة وتجازفي بذكاء وتسايري فلانا وتداري فلانة، إلى آخره.
أما أن تكوني امرأة تكتب بصدق وشفافية في بلد عربي وبلا أية مساومات «كمساومة العائلة- مساومة الدين- مساومة المجتمع- مساومة التقاليد- مساومة الرقابة» فيعني أن تكوني فوق كل ما سبق وقحة وشجاعة وأن تكوني مستعدة للمحاكمة.
وليس سهلا أن تكوني امرأة تكتب بلا مساومات في بلد عربي، ليس سهلا أن تودعي أسرارك الآخرين ماضيك، وحياتك.. أحلامك وهواجسك واستيهاماتك وأخطاءك واعترافاتك، خصوصا عندما لا يكون هؤلاء محض قراء فحسب، بل قضاة يصدرون أحكامهم عليك بلا رحمة.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
30/07/2017
1692