+ A
A -
دخل العراق بعد معركة الموصل مرحلة بحث عن الذات، وما يمكن تسميته بثورة تصحيحية تطال الهوية والمستقبل والعلاقة بين الدين والدولة. هذه المرحلة تدلل عليها عمليات انشقاق سياسي ومجتمعي واسعة شملت كافة الأحزاب الرئيسية التي تسيطر على العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003.
ولعل انشقاق عمار الحكيم المفاجئ عن المجلس الإسلامي الأعلى الذي تأسس برعاية إيران قبل «35» عاما هو التطور الأبرز، وإنْ كانت قوى نشطة مثل حزب الدعوة والحزب الإسلامي وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، دخلت هي الأخرى عملية مخاض ستسفر حتماً عن ولادات جديدة مؤثرة سياسياً ودينياً وثقافياً على العراق الجديد.
لم يقل أحد علناً أنه سينفصل عن سياسة إيران، بل إن مصادر مطلعة من بينها «العربي الجديد» تحدثت عن زيارة لطهران يقوم بها حزب الدعوة والمجلس الأعلى وحزب الفضيلة في محاولة لوقف مسلسل التصدع في التحالف الوطني. وإذا كانت إيران تحاول أن تفهم ما يجري على أنه دورة حياة سياسة تصحيحية، فإن مشاركين كباراً في «الثورة الجديدة» يقولون شيئاً آخر.
وعلى سبيل المثال فقد تساءل القيادي في اتحاد القوى العراقية د.أثيل النجيفي عما إذا كانت الأحزب التي تمارس الانشقاق في العلن، ما زالت تؤمن بولاية الفقيه وبأن الدين لا يكتمل إلا بدولة ذات مواصفات دينية؟
ما ننتظره من النجيفي وغيره من الشخصيات المهمة هو نهج يفصل التربية الدينية والأخلاقية والاجتماعية عن العمل السياسي المبني على تحقيق المصلحة العامة.
كثير من الأحزاب التي تمردت على الوجوه القديمة لم تكن صريحة، أو ربما لم تَبُتَّ في هذه القضية المهمة، لكن الخطاب الجديد الذي يتشكل في أنحاء العراق بعد هزيمة داعش وملاحقة فلوله، هو بمثابة إنهاء للانفصام المهيمن على العلاقة بين الدين والواقع، وبين الدين والدولة أيضاً.
في كل الأحوال، فإن عدوى الانشقاق والاصلاح مشوبان بضرورة احترام عروبة العراق وإبقائه في الوقت نفسه ضمن علاقة ودية وثيقة مع طهران.
غير أن ما أقدمت عليه التيارات السياسية المختلفة من إعادة هيكلة، هو بمثابة اعتراف بفشل الكتل في إقامة عراق ديمقراطي يحترم الإنسان وحقه في الحياة والتقدم والكرامة والحرية.
وفيما يتهامس العراقيون بأن خروج عمار الحكيم من المجلس الإسلامي الأعلى يشكل قلقاً بالغاً في طهران باعتبار أن الحكيم حليفها المركزي، لكن القيادة الإيرانية ما زالت تتبع نهج التهدئة، وتبدو محافظة على اتباع نهج عقلاني حتى وإنْ انتهت «الزوبعة» بانحسار النفوذ الإيراني في العراق، من خلال استعداد طهران للاعتراف بعروبة ذلك البلد تمهيداً لإقامة علاقات صحية مع جيرانها العرب.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
27/07/2017
986