+ A
A -
يقول المثل الشعبي «فاقد الشيء لا يعطيه»! فكيف إذا كان هذا «الشيء المفقود» هو شرعية الوجود كما هي حال النظام السوري، الذي يسعى لتحويل النازحين السوريين الذين شردهم إلى ورقة ابتزاز لإثبات وجوده. وهو الذي يعيش على «أنابيب الأوكسجين» التي يمدها له ربيبه الروسي. فقد تحول بشار الأسد إلى مجرد أداة في يد فلاديمير بوتين الذي يحركه ساعة يشاء، بانتظار لحظة المساومة على رأسه. حتى ان إيران راعيه الأول وحاضنه باتت ممتعضة من هذه الهيمنة الروسية.
منذ أسابيع احتدم الجدل في لبنان حول مشكلة وجود النازحين الذين تقدرهم بعض الاحصائيات غير الرسمية بنحو مليون ونصف مليون سوري. ويسعى النظام السوري إلى تأجيج المسألة عبر استغلال النقمة التي بدأت تتصاعد من هذا «الحمل الثقيل» وتحريض حلفائه وأتباعه من أجل الضغط على الحكومة اللبنانية ودفعها إلى التنسيق معه بهدف تنظيم عودة النازحين والاعتراف بشرعيته.
لا يختلف اثنان في لبنان حول خطورة النزوح السوري، ديموغرافيا واقتصاديا. الاحصاءات والأرقام واضحة حول تأثيرهم على العمالة والمنافسة لليد العاملة اللبنانية. كما أنّ الجميع تقريباً يعتبر ان هذا الوجود يشكل خطراً على الكيان اللبناني، غير ان المؤسف هو أنّ العنصرية باتت هي ردة الفعل التي تجمع بين اللبنانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والطائفية والمناطقية.
إنّ الأسد لم يهجّر هذا العدد الهائل من السوريين وقصفهم بالبراميل المتفجرة لكي يعيدهم بهذه البساطة! وإلى أين؟ وهل هو يسيطر فعلا على مناطق آمنة؟ ان ما يسعى إليه هو تغيير التركيبة الديموغرافية عبر نقل وترحيل أكبر عدد ممكن من سنّة سوريا. وقد ساعده في ذلك حملات التطهير المذهبي التي تولّاها «حزب الله» في القصير والقلمون والزبداني، والتبادل السكاني الذي فرض بين بعض المناطق، فهجّر مواطنين من مذهب ليحلّ مكانهم آخرون من مذهب آخر.
ورغم أنه يلعب في الوقت الضائع، لكنه يدرك أن لحظة المساومة ليست قريبة، وربما اننا لا نزال في بداية الطريق. إذ إن التفاوض بين موسكو وواشنطن قد بدأ الآن. أول لقاء بين بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب على هامش قمة «مجموعة العشرين» نتج عنه اتفاق مثير لوقف اطلاق النار في جنوب غرب سوريا، بالتنسيق مع الأردن، شمل مناطق درعا والقنيطرة والسويداء. وكان لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون تعليق لافت: «أعتقد أن هذا أول مؤشر على أن الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على العمل سويا في سوريا». ولو انه أضاف ان بلاده «لا ترى أي دور لعائلة الأسد في سوريا». وقد كتبت مجلة «فورين بوليسي» أن الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ ينص على «منع القوات الإيرانية والميليشيات المدعومة منها، من ضمنها «حزب الله»، من التمدد الاستراتيجي بالقرب من الحدود السورية مع الأردن وإسرائيل والجولان المحتل».
أول الغيث إذن إبعاد قوات النظام وتسلم ثلاث دول أجنبية زمام الأمور في منطقة استراتيجية اقليميا بين إسرائيل وإيران. ويبدو ان اتفاقا مشابها بعد معركة الرقة سيبصر النور في شمال سوريا، التي هي تحت سيطرة تركيا و«قوات سوريا الديمقراطية» الكردية وبعض فصائل المعارضة. فعلى ماذا يسيطر الأسد ومن أين يستمد شرعيته؟ حتى دمشق والمناطق المتاخمة المفترض انها معقله تعرضت بالأمس لهجوم من المعارضة المسلحة...
الا ان هذا الواقع لا يعمل لصالح المعارضة السورية، التي يبدو ان هدف الجميع أصبح تهميشها. ان الاتفاقات الثنائية باتت تتم على حساب المطالب الأساسية لثورة الشعب السوري، بما فيها التسليم بدور للنظام أقله في المرحلة المقبلة، وإرساء نوع من التقسيم للبلاد، تحت عنوان محاربة الإرهاب. ناهيك عن «المناطق الآمنة»، التي يجري تشريعها على أساس أنها «مؤقتة»...
تتنازع حاليا على أرض سوريا قوات من خمس دول كبرى واقليمية، وميليشيات من مختلف الجنسيات والمذاهب والأعراق! فعن أي سيادة وأي شرعية يتكلم الأسد؟ وإلى أين يريد ارجاع النازحين الذين هربوا من سلاحه الكيماوي؟
copy short url   نسخ
18/07/2017
2535