+ A
A -
هل انتهت الأزمة الخليجية، كلّا..
إنما المقصود أن انكسارها وخاصة بعد إسقاط قرار اجتياح قطر عسكريا، الذي دفع له الرئيس ترامب، رسّخ أزمة سياسية قد تطول، وقد تتخذ مداراً لتشكّل كتلتين خليجيتين ليس كمحور صراع، ولكن تحالفات مختلفة تنظر لمصالحهما الداخلية والإقليمية والدولية، بمستوى عالٍ من الحذر بعد التجربة الصعبة التي انتهى اليها المجلس الخليجي، حين أعلن أعضاءٌ فيه العزم على إسقاط عضو آخر أو إسقاط الحكم فيه، في خطاب تتبناه مؤسسات رسمية.
هنا مدخل مهم للمقال عن دور سلطنة عُمان، وقبل الحديث عن دور مسقط، نحتاج أن نعيد ترتيب الذاكرة عن موقع عُمان، وتاريخها وبنيتها الاستراتيجية الديموغرافية والتاريخية والجغرافية، وهي قضية مهمة للغاية لكل دول الخليج العربي، في طرفيه، طرف المحور الذي أدخل مصر لخصوصيات البيت الخليجي، أو طرف الاعتدال الذي يجمع مسقط مع الدوحة والكويت، في بناء ترويكة من السياسات المتوازنة والدقيقة يحتاجها الخليج العربي.
في مواجهة ماذا؟
في مواجهة تداعيات الأزمة بعد مرحلة ضعف وتفكك، ودخول المنطقة في استثمارات دولية صعبة، تدفع لزحف الحروب على أرضه، أو تقسيم بنية جغرافيته السياسية.
ووراء ذلك مصادمات تقوم على توحش طائفي من جانبين، ومرحلة استدراج يحصد منها المشروع الغربي، المتصارع بين أوروبا القديمة وأوروبا الحديثة، مصالح كبرى لاقتصاداتهم، وسوق سلاحهم ونفوذهم، وخاصة مع دخول التحالف الروسي الصيني، للخليج العربي، وهو في أعقد أوضاعه.
هنا تحتاج المنطقة بالضرورة لعقلية السياسة العمانية للعبور الآمن، والجهد الذي يمارسه الوزير العماني السيد يوسف بن علوي بن عبد الله، في تفكيك الأزمة ودعم مبادرة الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، هو جهدٌ يتخذ الطابع المعهود عن سياسة مسقط، في العمل الصامت المنتهي إلى ناتج مؤثر، والنتيجة اليوم بالنسبة لكل دول الخليج العربي، مغادرة مربع التصعيد السياسي بعد فشل الفكرة العسكرية، لتقليل الخسائر الكبرى التي تنزف منها دول الخليج العربي.
وحين نُذكّر بقضية التاريخ العميق لساحل الخليج العربي الذي سادت به عُمان، أمام حملات الغزو الغربي التي واجهها الائمة المقاومون لمئات السنين، أو مواجهة التدخلات الإقليمية لفارس، ليس المقصد خوض الحروب مجدداً، وإنما دور هذا التاريخ في دعم حراك مسقط السياسي، وبعث التوازنات وخاصة بعدنا العروبي الإسلامي الذي تمثله عُمان في الساحل.
وحين يضاف اليه تجربة النهضة العمانية، أي صناعة الإنسان وإطلاق فكر السلوك الأخلاقي واحتواء التعدد، داخل عمان وخارجها، ونجاح مشروع السلطان قابوس المدني مع حضور العمق الإيماني الديني، ثم نجاح توازنات السياسة الصعبة، فإن ذلك يؤكد على دور هذه القدرات، في صناعة مشروع العبور المرحلي، لكل دول الخليج بدءً من أزمة حصار قطر.
وهنا يبدو لنا أن مشروع التكامل الاقتصادي الذي أطلقته الدوحة ومسقط، وهو يتطور وتتعدد مساراته عبر ميناء ومطار وعبر سلة مشاريع مشتركة، تخدم قطر وتخدم عمان وبنيتها الاقتصادية.
فهي هنا تنطلق من داخل بنية خليج العرب، الذي اشترك في تاريخ إنسانه، قبل قيام مجلس التعاون، ومسألة أخرى غاية في الحساسية أن البعد العروبي الخاص، الذي تمثله عمان يُساعد في إعادة تشكل المواقف السياسية داخل الجغرافيا العربية للخليج، وليس تركها أمام البعد الإقليمي والدولي، وفي حالة قطر فإن الموقف التركي التاريخي، الذي ساهم في دفع الحرب عن منطقتنا، له دور حيوي ثنائي كبير.
ولا يتعارض من أن للخليج العربي بنيته الخاصة، وموقف الأشقاء في تركيا حريص على التعاون معنا في الخليج العربي، من ذات هذه الزاوية وهي رابطة أهل الخليج العربي، وقد حرصت أنقرة باستمرار، على الحذر من أي تداخل أو استقطاب طائفي يؤثر على المنطقة، كما جرى مع التطرف الإيراني وبعده المذهبي، والتطرف السلفي، في حين يقوم دعمهم للدوحة، على التعاون الاستراتيجي الممتد مع كل دول المنطقة.
في كل الأحوال هنا تبدو زاوية البيت الكبير، في ساحل الخليج العربي لعمان، معادلة مهمة لأزمة الحصار وما بعدها، لتعطي توازن استراتيجي مهم، مطمئن لقطر ومطمئن للشعب العربي في كل الخليج، في ظل التوتر الذي تطور دراماتيكيا وخاصة مع السعودية وابوظبي، هنا سيعود هذا المخزون الاستراتيجي لسلطنة عمان، ونحن نتكلم كبيت خليجي يفكر بمصالحه جماعيا، ليُستدعى لأدوار تاريخية، احتاجت بها المنطقة البيت العماني الحكيم:
1- أول هذا التأثير ضبط العبور، إلى المرحلة السياسية للأزمة، والتحالف القائم أصلا مع الكويت بشأنها، وعملية التطويق لآثار مواقف الرئيس ترامب المتطرفة وغير المسؤولة، وهو جهد تُمارسه عُمان في التواصل مع الدبلوماسية الأميركية والأوروبية، للوصول إلى مرفأ مهم تقف عنده الأزمة الخليجية بأمان.
ثم تبدأ رحلة خليجية صعبة مع الشقيقة الكويت، لمعالجة آثار الأزمة، التي يجب أن يكون التفكير فيها واقعيا، وهي أن أسطورة المجاملات والفلكلور الضخم، الذي صاحب مواسم المجلس لن يعود ليربط دوله بعد التجربة الصعبة.
2- بقاء المجلس الخليجي له بعد اجتماعي مهم، ورغم الممارسات الغير لائقة التي تعرضت لها عمان، وهي في موقف قوة قديما، في قضية التلويح لمقعدها في المجلس، إلّا أنّ مسقط مارست العقل الكبير، الذي احتوى ذلك الخطاب.
واليوم يُدرك الجميع أهمية الدور العماني لمجلس التعاون الخليجي، فهنا مسقط والدوحة رغم ألمها العميق وجرحها المعنوي الصعب مما فعله الأشقاء، لن يُبادر أياً منهما بالخروج، من المجلس، وستبقى رمزيته الاجتماعية، وبرتوكوليته الشكلية قائمة، وهو رأيٌ في محله.
3- ما بعد الأزمة ليس كما قبلها، فتحول الموقف السياسي إلى تشكل جديد لدول الاعتدال مع دول المحور، سيحتاج إلى حوارات مباشرة، دون شراكة الطرف المصري، لتنظيم العلاقة ومناقشة ما يمكن أن تقوم عليه مصالح الدول جميعا.
وكيف ستتعامل مع الوضع الجيد لتفكيك أزمات قائمة وربما قادمة، فرغم هزيمة التشكيل الأول لنموذج داعش الإرهابي في العراق، لكن العراق لم يخرج من الصراع الطائفي، الذي كان قنطرة الغزو والحرب الأهلية، وهو تأثير سيستمر طائفيا وأمنيا، في ظل الغبن القائم للمحاصصة الطائفية.
كما أن واقع المشهد السوري، الذي يزداد قتامة بعد كوارث التدخلات الدولية، ولعبة المخابرات في ميدان السلفية الجهادية التي نحّت الثورة المدنية، مستمرٌ في نزف العلاقات الإنسانية وصوت الضحايا المروع من كل طائفة، يعصف بضمير المشرق العربي، ويؤثّر على استقراره السياسي.
ولن يستطيع الجهد العماني أن يستوعب كل هذه الأزمات، التي نشأت بفعل أطراف أخرى، لكن المقصود أن مخزون عمان قد ينجح في دعم انجاز تهدئة كبيرة، لمناطق التوتر المؤثرة على واقع الخليج العربي.
كما أن البحرين هي اليوم تحت التأثير المباشر، من التجاذبات الطائفية وأعمال العنف المصاحبة، من ميليشيا الأشتر وغيرها، وصولا إلى أحداث القطيف العنيفة، وغياب الحلول السياسية الجامعة للوضع الوطني، وهنا ما يمكن أن يطرح كمخرج بتفكير عملي وبسؤاله الكبير:
هل هناك جدوى من جولة حوار مع إيران، تقودها مسقط بتفويض من اخوتها في المجلس للتهدئة؟
ونقول نعم..
ورغم أن صاحب هذا القلم، مؤمن بما دوّنه من خطايا المشروع الإيراني ومواقفه العسكرية والطائفية، لكننا هنا نراعي التفكير الاستراتيجي لتحقيق أكبر قدر من المصالح الممكنة وأكبر قدر من دفع المضار، وخاصة أمام كارثة الحصار التي نُفذت على شقيق خليجي، متفق المذهب والوحدة الاجتماعية.
إن عقل عمان ومخزون خبرتها، حين يُدعم من الخليج العربي بثقة، فهو يطرح مسار، أين سيذهب الخليج بعد سقوط تهديدات ترامب الزائفة لإيران، والتي لم ولن تُغير موقعها وتمددها، فمن الخاسر بعد هذا الموسم؟
إنه الخليج العربي الذي تسدد بعض أطرافه فواتير، دون أن يُستفاد من استحقاقها لصالح المنطقة، ولذلك فإن فكرة تحويل الأموال الضخمة لحكومة ترامب أو حكومات أوروبا، لأجل لجم إيران، ثم يتحول الموقف إلى أن هذا الغرب يفاوض إيران ويتقاطع معها، ويسخر من الخليج الذي يحاصر بعضه، فكرة خاطئة وكارثية.
وعليه فإن محاورة إيران لفك الاشتباك الطائفي، أو تهدئته، والمساعدة في حلحلة بعض الملفات هو من صالح الخليج بل المشرق العربي ككل، وهي معادلة لن تُنهي قضية الصراع القائم مع إيران، لكنها ستساعد على تحقيق اختراقات لصالح أمن الخليج العربي، الذي يحتاج اليوم إلى صوت الحرية والحقوق الدستورية والعدالة الاجتماعية، وليس صفقات الحرب التريلونية.
هنا يتأكد الدور العماني بجلاء، لكن قبل الختام، نتساءل ماذا عن الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، الشقيقة لعمان وبقية دول الخليج العربي؟
إننا نأمل ان تكون نتائج الدرس المؤلم، حاضرة في طاولة المراجعات، وتولي الأمير محمد بن سلمان موقع ولي العهد، وما يوكله اليه الملك سلمان، يحتاج إلى تفكير عميق وخريطة تتبين بها مصالح المملكة القومية، ومصالح أهل الخليج العربي، واحترام سيادتهم وشخصيات دولهم ومجتمعاتهم الاعتبارية.
وهنا سيجد الأمير محمد، فرصة تاريخية للتنسيق مع عُمان، في إعادة رسم التصورات الكبرى لأمن المنطقة واستقرارها، الذي سيَفرض على الغرب التعامل معهما، بمنطق عقلاني، وخاصة حين تنجح مبادرات الشراكة مع عمان، وأولها انهاء حرب اليمن دون تقسيم دموي، ولا صراع ديني.
واتحاد عمان والسعودية فيه، يُفضي لحل ممكن قبل أن يفوت الوقت، وتتمكن ميليشيات الشركات الرأسمالية وتنظيم القاعدة العائد من تدمير ما تبقى منه، وكتلة هذا المشروع ممكنة جدا لإنقاذ اليمن، الذي سيُهيئ لما بعده.
هي دعوة نبعثها بإخلاص، لإطلاق مبادرات إنقاذ بعد أن طوقتنا مغامرات الصراع.
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
17/07/2017
4320