+ A
A -
مازالت قطر تخضع لإجراءات قاسية على كل المستويات من قبل عدة دول خليجية، وكلما مر وقت على هذا الحصار BLOCADE انعكس الأمر بصورة أكبر على مجلس التعاون ومستقبله. إن استمرار الحصار سيدمر الثقة بين الدول الصغيرة بشكل عام والدولة الأكبر المملكة العربية السعودية، وسيشعر عدد من المجتمعات، وليس فقط الدول في منطقة الخليج، بأن ما وقع مع قطر قد يقع مع غيرها في ظل ظروف مختلفة. سياسة العقوبات والحصار هي الاسوأ لمن يريد أن يبني مجلسا اتحاديا بين دول مستقلة.
ولم تتضح للآن الاسباب التي أدت للأزمة، فهل يمكن لمحطة كقناة (لجزيرة)، تراعي الحساسيات الرسمية الخليجية بصورة مبالغ بها خاصة منذ اتفاق 2014، أن تتحول بين يوم وليلة لخطر على أمن مجموعة من الدول في منطقة الخليج؟ وهل يمكن لموقف إيجابي من حركة حماس، أو جماعة «الإخوان المسلمين» التي تعاملت معها السعودية قبل غيرها أن يسبب هذا الانشقاق العربي - العربي؟.
وهل تواجد عدد من قادة حماس في إيران أم اسطنبول أفضل من تواجدهم في الدوحة وقطر؟ نحن في منطقة تتخصص في رفض الرأي الآخر واجتثاث التيارات، وهذا جانب من الازمة.
للأزمة أبعاد كثيرة لازالت تتفاعل، لكن الواضح الآن أن القاعدة التركية اكتملت اعدادها، وان طرق التجارة والطيران في طور الاكتمال، وان الدوحة التي تكتشف قوتها مجددا ستتعامل مع حدودها وكأنها جزيرة مطلة على محيط مما يدفعها للاعتماد على ذاتها. لهذا فإن الأزمة في طريقها لصيغة الحرب الباردة الطويلة، مما يفرض تأقلما جديدا مع مجلس تعاون مفكك وتحالفات إقليمية جديدة وطرق امداد مختلفة. ويحظى كل هذا الآن بدعم شعبي محلي قطري منقطع النظير وذلك بسبب طبيعة الحصار المفاجئ الذي استهدف الشعب قبل الدولة. كل حصار ومقاطعة يتحول لعقوبات جماعية بحق السكان.
ويعلن بعض المسؤولين في الدول المحاصرة بأنهم صبروا على الدوحة 21 سنة، وما المانع من الصبر 10 سنوات إضافية، خاصة في ظل هذه الأجواء الاقليمية الممتلئة بالحروب وذلك عوضا عن التورط في أزمة تؤدي لنتائج عكسية كما هو حاصل منذ 5 يونيو 2017.
إن الصبر على الاختلاف مع قطر كان سيكون أفضل مليون مرة من جعل تركيا وإيران وربما روسيا جزءا لا يتجزأ من جغرافيا الخليج وأمنه. لقد أضرت الأزمة بمصالح كل الدول التي يتكون منها مجلس التعاون. كان الأفضل التعلم من تجربة أوروبا وصبرها على بريطانيا. فقد نجحت أوروبا في التوصل لصيغ سوف يجري التفاوض عليها لسنوات من أجل تأمين الانفصال الحضاري.
ومن اغرب ما يرتبط بأزمة الخليج تصريحات السفراء التي توزع تهم الإرهاب بأكثر مما يوزعها سفراء الولايات المتحدة. إن استعارة جملة «حماس إرهابية» كما حصل مؤخرا من قبل أحد سفراء المملكة فيه الكثير من التصغير للدور السعودي القيادي والعربي الذي احتضن قادة الامة على مدى عقود كما فعل الملك فيصل بموقفه الشهير حول الصلاة في القدس ومقاطعة الولايات المتحدة نفطيا بسبب موقفها من إسرائيل في حرب 1973.
في هذه الأزمة شجع كوشنر والرئيس ترامب ومن ورائهم نتانياهو على التصعيد (رسائل ترامب عبر التواصل الاجتماعي نموذجا) وذلك لمعرفتهم بأن هذا سيورط العرب بنزاع صعب يؤدي لإضعاف الدول الاربع (خاصة المملكة العربية السعودية) ويجعلها أشد اعتمادا على الولايات المتحدة.
هل قال البيت الابيض للدول العربية التي تحاصر الدوحة بأن يتمسكوا بموقف المقاطعة والحصار، بينما شجع وزير خارجيته على إطفاء حريق التصعيد وذلك لتبقى الأزمة في حدود تسمح للبيت الابيض بالتحكم بحركتها؟.
عدم ديمقراطية العرب في دولهم وأنظمتهم ادى لثورات 2011، وعدم ديمقراطية العرب في علاقاتهم ببعضهم البعض أدى لهذه الازمة، وفي الحالتين النتيجة هزائم مدوية للإقليم. لقد وصلت ديناميكية سقوط الدول في العالم العربي لكل بقاع العرب وقد ضربت بسبب التسرع مقولة الاستثناء الخليجي. كل هذا يقع بسبب رفض الدول العربية غير المدروس لرسائل 2011 حول التغيير والحقوق والعدالة والعقد الاجتماعي الجديد.

بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
16/07/2017
3807