+ A
A -
لا شك أن تحسنا كبيرا طرأ مؤخرا على علاقة مصر بحماس بعد مرحلة توتر طالت لعدة لسنوات. ومن المعروف أن رؤية مصر أملاها عاملان متعارضان إلى حد التناقض التام: الأول: التزامات مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، والتي تفرض على كل نظام حاكم، أيا كانت توجهاته السياسية والفكرية، بناء علاقة متينة مع القوى الممثلة للشعب الفلسطيني والمدافعة عن قضيته، ايا كانت توجهاتها الفكرية والسياسية.
الثاني: رؤية النظام الحاكم في مصر لحركة حماس، كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي كخصم سياسي وليس كفصيل فلسطيني مقاوم يشكل جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية المطالبة بتحرير الأرض وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره.
وبينما يساعد العامل الأول على دفع مصر نحو تبني سياسة معتدلة تجاه حماس، تعكس رؤية استراتيجية تقليدية ملتزمة بالدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مصرية ومصيرية في الوقت نفسه، فإن العامل الثاني يساعد على دفع مصر نحو تبني سياسة معادية لحماس، تعكس مواقف تكتيكية متقلبة، عادة ما تخضع لأهواء وأمزجة النظم الحاكمة ولتغير الأوضاع والظروف المحلية والإقليمية والدولية السائدة.
من المؤكد أن نظام مبارك لم يشعر بارتياح كبير لنهج المقاومة المسلحة الذي تبنته حماس، عقب ظهورها على مسرح السياسة الفلسطينية بعد انتفاضة 87، لأنه كان يخشي أن يؤدي إلى عرقلة الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وراحت مخاوفه من حماس تزداد عقب حصولها على أغلبية المقاعد النيابية في انتخابات عام 2006، ثم وصلت ذروتها عقب إقدام حماس على طرد السلطة الوطنية من قطاع غزة وانفرادها بإدارة شؤونه، وهو ما يفسر انحيازه الصريح إلى جانب السلطة وتعاونه معها لفرض الحصار على حماس والقطاع، ومع ذلك ظل نظام مبارك حريصا على الإبقاء على «شعرة معاوية» مع حماس، وهو ما يفسر تسامح أجهزته الأمنية مع عملية بناء الأنفاق التي راحت تتكاثر بسرعة مع مرور الزمن. غير أن السياسة المصرية تجاه حماس بدات تشهد تغيرا جذريا عقب الإطاحة بنظام مبارك في 11 فبراير عام 2011، وراح التعاون مع حماس يتزايد تدريجيا إلى أن وصل ذروته خلال العام الذي تولى فيه الدكتور محمد مرسي رئاسة الدولة، ثم عاد لينقلب من جديدا راسا على عقب، خاصة بعد إزاحة حكم الإخوان في 3 يوليو 2013، ووصل الأمر إلى حد التعامل مع حماس كعدو أو كمنظمة إرهابية تدعم الجماعات العاملة في سيناء.
لتفسير التقارب الحادث حاليا بين حماس والنظام الحاكم في مصر، توجد قراءتان:
القراءة الأولى: ترى أنه تقارب يعكس مواقف تكتيكية فرضتها أوضاع محلية وإقليمية وعالمية متغيرة. فعلى الصعيد المحلي، بدأت اقدام النظام الحاكم تزداد رسوخا ولم يعد يخشى من عودة جماعة الإخوان إلى السلطة، ومن ثم تضاءلت مخاطر حماس في الوقت نفسه. وعلى الصعيد الإقليمي، أصبج هذا النظام أكثر حرصا، خاصة بعد الحصار الرباعي المفروض على قطر، على إبعاد حماس ليس فقط عن قطر وإنما عن تركيا وإيران ايضا. أما على الصعيد العالمي في بدأ يدرك بشكل أوضح صعوبة تمرير «صفقة القرن» بدون موافقة حماس، ومن ثم بات اكثر إدراكا لأهمية التقارب معها.
القراءة الثانية: ترى أنه تقارب يعكس رؤية استراتيجية مشتركة جديدة تدفع حماس، من ناحية، للتصرف كفصيل فلسطيني يحرص على ثوابت الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر من حرصه على إقامة «إمارة إسلامية» في قطاع غزة، وتدفع النظام المصري، من ناحية أخرى، للعودة إلى رؤية استراتيجية مصرية تقليدية، ترى في القضية الفلسطينية قضية وطنية مصرية يتعين أن تشارك في تحمل مسؤوليتها تجاهها.
فأي من القراءتين ترى أنت، أيها القارئ العزيز، أنها الأقرب إلى الصواب؟
بقلم : د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
13/07/2017
2530