+ A
A -
عندما تولى «خوان بيرون» الحكم في الأرجنتين كان أحد أهم إنجازاته في نظره هو عزل الكاتب والشاعر «بورخيس» من عمله كأمين مكتبة وتعيينه مفتشا للدواجن في سوق البلدية، مما دفع الأخير للاستقالة والثورة على هذا القرار المهين، والتنديد بالظالم قائلاً: «إن الدكتاتوريين يجلبون الظلم، والعبودية، والقسوة، والأبغض من ذلك يجلبون الحماقة» وليست هناك حماقة أكثر من محاصرة دولة يستهينون بصغر مساحتها ويلقبونها بـ«دويلة» ولا يمنعهم هذا من التكتل ضدها ومحاربة حقها في التفرد والاستقلال، وغاب عنهم أن الفاتيكان أيضا دولة صغيرة يمكن أن يطلقوا عليها الكثير من التسميات أن شاءوا ومع ذلك فهي تتحكم في أكثر من مليار من البشر، ولعل هذه القصة التي وردت في كتاب «إحياء علوم الدين» لأبي الحامد الغزالي تلخص المعنى وتختصر كل كلام، تقول الحكاية: ذات يوم أعلن أحد السلاطين عن مسابقة للتصوير، وتقاطر الرسامون من كل أنحاء الأرض، وبدأ الفنانون الذين جاءوا من الغرب ينضمون إلى بعضهم البعض، ويكونون مجموعة خاصة بهم، في حين وجد الصينيون أنفسهم كمجموعة صغيرة منبوذة، أو لا ينظر إليها بتقدير، وتبجح الذين جاءوا من الغرب بقدرتهم على الفوز بالجائزة، في حين اكتفى الصينيون بالصمت، وبعد تفكير عميق قرر السلطان أن يمتحن الجانبين، فقدم لهما جدارين متجاورين متواجهين في غرفتين متجاورتين، حتى يتمكن من المقارنة بين العملين فيما بعد، وبين هذين الجدارين أمر بتعليق ستارة ضخمة تحجب كل مجموعة عن الأخرى، ثم طلب من الجميع البدء بالعمل، أخرج الفنانون المتحدون ألوانهم وفرشهم وبدأوا يلونون ويرسمون بعجالة محمومة، أما الصينيون على الجانب الآخر فقد وقفوا يتأملون الجدار ويتشاورن فيما بينهم، ثم قرروا أن يزيحوا الأتربة والصدأ قبل أن يبدأوا في الرسم، وانهمكوا في تنظيف وتلميع الجدار المخصص لهم، واستمر العمل لشهور، إحدى الغرفتين كان بها الآن جدار ملئ بالرسوم ذات الألوان الزاهية، وفي الغرفة الأخرى كان هناك جدار مصقول يلمع كالمرآة، وعندما انتهى الوقت المحدد للمسابقة، فتحت الستارة بين الغرفتين، نظر السلطان في البداية إلى عمل الفنانين المتحدين، كانت لوحة جميلة تلفت الانتباه، نالت إعجابه وإعجاب الحضور، ثم أدار رأسه لينظر للجدار الآخر الذي تم تخصيصه للمجموعة الصغيرة من الصينيين، وإذا به يرى انعكاس اللوحة التي رسمتها المجموعة الأخرى على الجدار المقابل، لقد حول الصينيون جدارهم إلى مرآة مصقولة بفن، تعكس الأشياء على حقيقتها..جميلة أم قبيحة.. والمرآة لا تكذب.. وهكذا لم يجد السلطان بدا من منحهم الجائزة.... التي نالوها عن استحقاق.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
12/07/2017
1394