+ A
A -
ليسوا بشرا من يريدون للحرب في سوريا أن تستمر، وربما ان مسحة ربانية قد بللت جباه المتحاربين خلال الساعات الأخيرة، فأفاقوا على أمل لم يعهدوه، وعلى عصافير تزقزق عند حواف النوافذ.
هذه ليست دمشق الياسمين ولا دمشق نزار قباني وليست دمشق المسجد الأموي، نحن حتما نحلم والموت ما زال يحصد الجثث. غير ان المبعوث الدولي »ستافان دي مستورا«، السبعيني الصبور له رؤية أخرى مبنية على وقائع صنعها ملايين المعذبين الذين خِلْتُهم يصرخون معاً: كفى!
تصورتُ دي مستورا السويدي المولد ايطالي الجنسية، وهو يتحدث في جنيف أمام الصحافة، انه لمس النجوم بيديه، وإلا ما معنى قوله إن »ثمة فرصة حالية لتبسيط أكثر النزاعات تعقيدا في العالم«، قاصدا سوريا؟ لم نعرف قبلا ان هذا الدبلوماسي ذا الطلة الأرستقراطية ينطق عن هوى، او حتى يبتسم لأي سبب، لكنه يتحدث اليوم بلهجة المنتصر، عن نجاح تجربة الجنوب السوري الذي يخيم عليه وقف اطلاق نار ناجح، فيما يجري وضع اساسات لمناطق خفض التوتر الثلاث الاخرى تمهيدا للعملية السياسية.
لأول مرة منذ اندلاع المأساة عام 2011 جعلني دي مستورا إلى حافة الامل، لا حافة الهاوية حيث أقف في العادة. وإذا كان تيلرسون قد عرج على تركيا الأحد ليناقش التطورات السورية قبل وصوله الى الكويت لبحث الأزمة الخليجية، فقد خبّرنا المبعوث الدولي ان الامور تتطور بسرعة، ليس ميدانيا فحسب، بل سياسيا وإقليميا أيضا.
وما دام دي مستورا المتحفظ بالعادة يتحدث عن تبسيط النزاع الأعقد في عصرنا جراء تعدد الاجندات واللاعبين الى حد مذهل، فإنه يعلم ان ما يجري الآن يجب ألا يؤثر في نهاية المطاف على وحدة سوريا وأراضيها، وألا يؤدي أبدا إلى التقسيم.
كلام مفرح أتبعه بتأكيده أن الجميع لا يريدون تقسيم البلاد، بل التقدم على المستوى الانساني، وعلى مستوى المصابين والمعتقلين ونزع الألغام و.. و.. الناس باختصار، صاروا بشرا.
السر في »كفى«، وفي حقيقة أن ستة من كل عشرة سوريين يعيشون في فقر مدقع، أنهم فقدوا »538« وظيفة سنويا منذ عام 2010 حتى عام 2015 حسب البنك الدولي. والسر ايضا في ما اعلنه البنك امس عن 320 مليار دولار هي خسائر الاقتصاد السوري المقدرة حتى الآن، فيما قال حافظ غانم نائب مدير البنك ان 27 بالمائة من مجموع الوحدات السكنية السورية ونصف المنشآت الطبية السورية قد دمرت بالكامل او تضررت جزئيا، كما لقي نصف مليون حتفهم وشرد نصف الشعب.
وبرز تفاؤل المبعوث الدولي عندما قال ان إحلال الاستقرار في البلاد يجب ان يترافق مع عملية خفض التوتر خاصة بعد ان تتحرر الرقة وما يعنيه ذلك من حماسة وطاقة.
ليس هذا وقت التناحر والتشابك، وإنما وقت الصلاة، فالذي يحدث الآن هو جزء من مقاربة شاملة ظهرت كالمعجزة في سماء بلد مدمر، ما أفرز لأول مرة اجواء غير مكفهرة، وقد تحقق لها ذلك على خلفية إنهاك أسطوري حرك الانسانية المخطوفة نحو الاصرار على استرداد مكوناتها.
ليتنا لا نحلم، وليت دي مستورا ايضا يروي الحقيقة. لعله كذلك، ولعلنا كذلك، يا رب!!

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
12/07/2017
1025