+ A
A -
في ضوء الأزمة الخليجية وتداعياتها السلبية على كافة دول مجلس التعاون الخليجي، فإن التساؤلات المطروحة: ما مستقبل الإصلاحات السياسية والتحول الديمقراطي في المنطقة؟ وما مصير حريات التعبير والصحافة والإعلام في الخليج؟ وما هي ضمانات حقوق الإنسان في حالة استمرار الأزمة وتصاعدها؟
كل هذه التساؤلات، تشغل المعنيين بالإصلاح السياسي في الخليج، وبخاصة أن دول مجلس التعاون حققت إصلاحات سياسية واجتماعية في مجالات متعددة، وجاءت الأزمة الخليجية لتشغل أذهان الخليجيين وتستفرغ جهودهم وطاقاتهم إلى سجالات الأزمة.
في تصوري، أن الأزمة إذا طالت وتصاعدت، ولم يتوصل الفرقاء إلى حلول توافقية تقوم على قاعدة الحوار البناء، والاحترام المتبادل، وإعلاء المصلحة الخليجية العليا، فإن مناخ الأزمة سيعكس ظلالها، وكل طرف سيضطر إلى التخندق دفاعاً عن موقفه، وفي سبيل تأمين الجبهة الداخلية إعلامياً وسياسياً، سيلجأ إلى عسكرة إعلامه وتعليمه وخطابه الديني والسياسي، فلا صوت يعلو على صوت الأزمة، ومن ثم تستنزف الجهود والطاقات والموارد الخليجية في الاتهامات المتبادلة، وحملات الشحن والتحريض والكراهية، وستشهد المنطقة مزيداً من التقييد لحريات الرأي والتعبير، وتصاعداً في التضييق على حقوق الإنسان، ويكون الخاسر الأكبر هو الحريات العامة، والمنظومة الخليجية عامة.
قبل 9 سنوات ظهر كتاب قيم لعالم الاجتماع الخليجي، الدكتور باقر سلمان النجار، الديمقراطية العصية في الخليج العربي، يستشرف فيه مستقبل الإصلاح السياسي في الخليج، والعوامل التي تعوق التحديث السياسي، الكتاب دراسة تحليلية نقدية لمنظمات المجتمع المدني في الخليج، باعتبارها تشكل البنية التحتية للديمقراطية، إذ لا ديمقراطية من غير مجتمع مدني يكون حاضنة اجتماعية للديمقراطية، وكما يقول الدكتور سعدالدين إبراهيم: إذا زرعت الديمقراطية أو نقلتها إلى تربة أي بلد بلا مجتمع مدني، فلن تعيش، وإذا عاشت، فإن ذلك يكون بوسائل اصطناعية إلى أن يقبلها الجسم الاجتماعي- السياسي لهذا البلد، وهو لن يقبلها إلا إذا ساندت هذه الديمقراطية المستزرع تنظيمات مجتمع مدني، ومن هنا ندرك أن جزءاً أساسياً مما يسمى الاستعصاء الديمقراطي العربي، تعود أسبابه إلى غياب أو ضعف منظمات المجتمع المدني.
في المقدمة، يبرز المؤلف قدرة الأنظمة العربية على المناورة والتكيف بالرغم من التحولات الدولية والمحلية الضاغطة، وذلك عبر تفريغ المشروعات الإصلاحية من مضامينها وأهدافها. وهو في هذا السياق يرد على مقولة أن هناك عداء متأصلاً في المجتمعات العربية تجاه الحداثة والديمقراطية، ويرى أن طبيعة الدول العربية المهيمنة، هي المعوق الأكبر ويعرف منظمات المجتمع المدني بأنها: مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام، بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها أو تحقيق منفعة جماعية للمجتمع، مع التزام قيم الالتزام والتراضي والإرادة السلمية للتنوع والخلاف ومعاييرها.
ينتقد المؤلف، التحليل الذي يقصر السمة التقليدية على المجتمع الخليجي وحده، ويرى أنها سمة عامة للمجتمعات العربية عامة، كما يفسر قدرة النظام الخليجي على مواجهة تحديات الحركات الأيديولوجية والقوى الانقلابية التي أطاحت بالنظم الملكية، بـ3 عوامل:
1- قدرة النظام الخليجي على نسج التحالفات الدولية والداخلية.
2-القبول المجتمعي العام الذي يحظى به النظام الخليجي، من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية الوفيرة وغيرها من الامتيازات التي يحظى بها المواطن الخليجي.
3- حداثة تشكل الدولة الخليجية مقارنة بالدول العربية الأخرى، فالقبيلة مازالت تفرض حضورها وفعاليتها في المجتمع والدولة، وقد عزز النفط إحياء قيمها، ومكن الدولة الخليجية من الاستغناء عن المجتمع.
يتحفظ المؤلف على المقولة الشائعة (لا ضريبة بغير مشاركة) في الحالة الخليجية، بدليل أن غياب الضرائب، لم يمنع الدعوات الإصلاحية، وبالرغم من قدرة النظام الخليجي على استثمار الدين ونجاحه في عقد التحالفات المجتمعية القبلية والدينية ومهارته في تقديم الخدمات والمكرمات والامتيازات، وحل الكثير من المشكلات الاجتماعية بهدف القبول المجتمعي العام، فإن المؤلف يرى أنه لا خيار مستقبلياً أفضل من المسارعة في خطوات الإصلاح السياسي.
ختاماً: إذا كانت القوى والقيم التقليدية معوقة للتحول الديمقراطي، ترى ماذا يرى المؤلف اليوم في ضوء الأزمة الراهنة؟
قد يصبح الإصلاح السياسي مشروعاً مؤجلاً.

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
10/07/2017
3945