+ A
A -
لا ندري وقد لا ندري أبدا، لماذا ضمت السعودية والامارات والبحرين نظاما كنظام السيسي الى مشروع الانتقام من قطر، رغم ان النزاع خليجي خالص كما يفترض.
واذا كنا نفهم لماذا حجز نظام السيسي مكانا له في مقاعد الجلادين، ربما ليناله من «الفكّة» نصيب، لكن المحيّر هو ذلك الحماس الثلاثي لوجود مصر في موقف لم تعهده في عصور كل الرؤساء السابقين، وهو موقف المؤازر والمشارك علنا في حصار غير قانوني او انساني او اخلاقي.
ولو كان اشراك نظام انقلابي كالذي يحكم القاهرة اليوم، في مواجهة قطر، لأنه يملك سجلا ناصعا في مجال الحكم الرشيد(!) او لسياساته الوطنية والقومية، او لانه يمثل نموذجا في التضحية والرحمة والحكمة، لقلنا ان هناك ما يبرر حضوره.
ولكن بعيدا عن التهكم السياسي، فإن سمعة نظام استولى على الحكم بقوة عسكرية لا يمكن انكارها وبعد ذبح الآلاف في النهضة ورابعة اثناء تجريد الرئيس الشرعي من صلاحياته، فإن مرافقة دول الحصار الثلاث الخليجية لنظام كهذا تسيء الى سمعة هذه الدول الضالعة هي الاخرى بأنواع مختلفة من التجاوزات والانتهاكات التي لو سُردتْ لملأت كتبا.
قد لا نستطيع معرفة الدوافع التي تكمن وراء دعوة نظام السيسي (لن نقول مصر) لأخذ دور المنسق والنافخ بالكير، وقد لا نستطيع ان نفهم كيف تجرؤ الرياض وأبوظبي والمنامة على القول انها تسعى لمعاقبة قطر بالقانون (اي قانون؟)، بهدف اعادتها الى صوابها (أي صواب؟) وضمها من جديد الى الاسرة الخليجية لتغرد داخل السرب (أي تغريد وأي سرب؟).
تدفعنا مأساة الخليج التي يصب السيسي النار عليها، الى استرجاع المثل القائل انهم «يرشون السُكّر على الموت»، لكن مذاق الموت لم يكن حلوا أبدا إلا في نظر المستبدين الذين يرشون باليد الاخرى ملحا ابيض ناعما، كالسّكر، على الجرح المفتوح.
وإذا كان السيسي قد اخذ موقعه الجديد في الازمة الخليجية، فقد سبق ذلك اكتشافه «منافع» تدمير جسور المقاومين في غزة، وتجبره في معبر رفح امام المرضى والدارسين، واتصاله كل يوم مع نتانياهو للتنسيق والتنفيذ.
عندما قال الكاتب البريطاني باتريك كوكبيرن في مقال بالاندبندنت، ان اجواء الشرق الاوسط تشبه اجواء اوروبا قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914، فإن الوارد في زاويتي اليوم جزء من الصورة، وكذلك الفوضى الهائلة التي صنعها دونالد ترامب في السعودية، وكانت السبب الاقوى لانتشار تلك الاجواء.
اليوم الاثنين يباشر ركس تيلرسون وزير الخارجية الاميركية محادثاته الخليجية ابتداء بأمير الكويت صاحب الوساطة الاصلية في الازمة، وانتهاء ببقية الاطراف المتصارعة، وكلنا امل بأن لا تَصدُق احساسات كوكبيرن لا في الخليج، ولا في الشرق الاوسط، وأن يبقى تحليله في اطار وجهة النظر التي لا تلزم احدا بتبنيها.
لا نزال على الشط، ونرجو من اللاعبين ان يظلوا هناك، فالحل لا يتطلب إلا النزول عن الشجرة وشربة ماء وآية كريمة واجتماعا جادا.
وما من شك بأن مئات المقالات التي شغلت عقولنا منذ الخامس من يونيو، هي «أضغاث أحلام» في معظمها وإدارة تحريض تحركها العواطف لا الحقائق. لهذا نرجو ان يكون تيلرسون حازما وفعالا، فالخليج أهله أبناء عمومة ولا يحتمل ولا يريد تكرار السيناريو السوري او الليبي، او غيرهما لا سمح الله. اطفئوا النار الصغيرة المشتعلة حتى لا تكبر.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
10/07/2017
2004