+ A
A -
ثَمةَ فرقٌ هائل بينَ من يدعوكَ إلى (الذاتية) تلك النزعة السافرة الناضحة بالنرجسية والتي تجعلك تنصب ذاتك كمركز ومحور للوجود، وبين ذاك الذي يدعوك لتتخذ موقفاً (فردانياً) وأن يكون لكَ طريقٌ واضح تشُق من خلاله حياتكَ وسلوككَ وممارساتك (كفرد) مستقل حر طليق لا ينتظر عضيدا أو شريكا في حالة السكون كما أنه يتفاعل بالعطاء والتضحية في حالة الجمع، فالأولى تدعوك إلى الانصهار في ذاتك وتبجيلها وبالتالي تعطيلها والثانية تدعوك إلى الاعتداد بها وتقديرها وبالتالي تفعيلها.

إني أتوارى خلف تلك الجعبة المسكونة، وقد عجزت الكلمات عن ترميز المشاعر، أتوارى بين الصبر والإيمان وبين كثير من قصص الحياة التي لا تعنيني، أطمس جانبا من الروح يظل ويبقى ولا يمكن البوح به، بعض الأشياء لم تُخلق إلا في الأحلام ولم تولد إلا بالجعب المخفية، ولو أنها عُرّت أمام الناس لضاع الكثير من المتعة في إخفائها ولا استعظم البعض الرجاء ولا استحقر الآخر مهرجان الأمل والتمني، فيا الله! رفقا بقلب بَيّت الكثير وأخلص لك الإيمان والتوكيل.

حقاً، راحة القلب في قلة الاهتمام، اترك الباب موارباً دوما للمنسحبين والمغادرين ولتصحبهم السلامة فالحياة محطات وكلنا في موعدٍ مع الآخر يوماً، ثمّ إنزال الناس منازلها التي اختارت واستحقت واخفض سقف التوقع إلا لمن فيه بقايا خير، واعلم أن الخير، وكل الخير فيمن بقى وفيمن هو آت إن شاء الله تعالى.

رغم تراكم السنوات فالكثير من حولنا نراه يتصرف كما السجية بخبط عشواء أحياناً بحماقة وأحيانا أخرى بخبث، وقد يكون ذاك مؤشرا بأن شيطان الخطايا الصغير لم يُروّض بعد وأن النفس لم تَكسر شوكة ذاتها ليتسيدها المنطق وقبله الإيمان والخُلق الحَسن، ولا عجب في ذلك فالبشر ليسوا مخلوقات نورانية ولا نستنكر على أنفسنا الخطأ لكن على أن يتبعه ربيع الصواب ورُبّ سلسلة أخطاءٍ تبعها صوابٌ جميل محت بإذن الله وبسعة صدر الناس كثيراً من الأفعال والأقوال والأجندات، بعض الخطأ عظيم وبعض الشخصيات في ترتيبها الاجتماعي تُكسر هالتها وتأثيرها إذا ما جنحت لنحوٍ معين وأصرت وكابرت واستهترت!

أحياناً عليك أن تُعيدَ ترتيب الواقع وتلك الخريطة الاجتماعية التي تفرض في زعمها درجات النضج والحكمة بين صغير وكبير (أيا كان دوره في الأسرة والعمل وجوانب الحياة)، لتجد نفسك ترسم خريطة جديدة لدورك الموسوم في الحياة مع احترام سلم الدرجات الاجتماعية، ولكل منا جانبه الأسود وربما أخطأ غيرنا فأصبنا من رحمة الله وربما أخطؤوا فأصبنا وحشرنا في عصبة المعتدين بذاتهم المتطاولين على غيرهم بالتنظير والانطباعات وإن صح غالبها، وعلينا أن نتعمق في صُلحنا مع ذاتنا ومع قيمنا ومبادئنا وما نسعى إليه من تأثير في هذه المنظومة لا ظالمين ولا مظلومين، بل خير سبيل لنشر الخير بالأمر بالمعروف والخير والنهي عن المنكر أيا كان حجمه في القول والعمل.

ليتنا نعود، أيا ليتَ هذه تخرج من شرنقتها، ولنزهر اليوم قبل أن يخلو الزمان ونكبر، كم أشتاق أن يجمعنا سقف صغير، وسور لا يشهق علوا كما يكسونا حبا، ليت الفعل كان أسهل من ندف الحروف، لو أن قناع الكبرياء الذي نلبسه تعرى لأجلنا، ليتنا نعود لحلم أشفق على كلينا ألا يتحقق!

جنائز الحب ليست إلا أحلاماً صدقها بعضنا فمشوا إليها وهم يتلبّسون كفنَ البياض، وجنازتي أنّي أُصدق حُلماً يجعلني أقبل القسمة معك على اثنين، فواحدة هي (لوعتي) والثانية (حُرقتي) وإني لا أطيقني بين اثنتين! وأن (أتملكك) يعني أن أقرأ الفاتحة على بياض هذا الحلم فلا قلبٌ يزهق ولا راياتٍ تنكس ولا جنازة أسير إليها بقلبي!

إعلامية وباحثة أكاديمية



بقلم : خولة مرتضوي

copy short url   نسخ
15/04/2016
1095