+ A
A -
إذا بحثت في كتب التفسير القديمة عن الآية 38 من سورة الأنعام (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون) فسوف تجد الإمام القرطبي يقول إن الدواب والطيور جماعات مثلكم خلقها الله وتكفل بأرزاقها فلا ينبغي أن تظلموها، ونجد الزجاج يفسرها بأن الدواب والطيور مثل بني الإنسان في أنها خلق الله، وتكفل الله برزقها، ومثل الإنسان في الموت والبعث والقصاص، ونرى ابن القيم يفسرها بأن الدواب والطيور تماثل بني الإنسان في الطباع والأخلاق، وبعد مرور القرون أضافت نتائج الأبحاث العلمية الحديثة أضواء جديدة على الأعماق في هذه الآية.
العلماء المحدثون يقولون إن الإنسان والحيوان والطيور تشترك في عدد من الغرائز الفطرية والإنسان قادر على ترويض غرائزه بينما الحيوان لا يتحكم في غرائزه وقدرته على التعليم محدودة بينما قدرة الإنسان على التعليم بلا حدود، والدراسات التي قام بها العالم الدكتور أحمد حماد الحسيني أكدت صحة ما قاله عباس محمود العقاد من أن الحيوانات هي «مسودة» للإنسان، بحيث لا يمكن فهم كثير من الظواهر التي يخضع لها البشر في سلوكهم إلا بدراسة الحيوانات والطيور وتفهم العلاقات بين الأفراد والجماعات، مع ملاحظة أن الإنسان ميزه الله بالعقل والإرادة وهما مناط التكليف والحساب، وبين العلماء جدل كبير حول مدى ما يتمتع به كل نوع من أنواع الحيوانات من الذكاء أو القدرة على التفكير أو على الاختيار.
فالعالم الألماني الكبير «بريم» صاحب الموسوعة الشهيرة عن حياة الحيوان التي يرجع إليها كل باحث في هذا المجال كان أول من تحدث عن «الصفات النفسية» للحيوانات الثديية وقال إن الثدييات لها ذاكرة، وذكاء، ومزاج، وكثير ما يكون لكل فرد منها شخصية خاصة، والثدييات عموما يمكنها أن تفرق بين الأشياء، وأن تدرك الفروق في الزمن بين الليل والنهار وبين الألوان، وقادرة على التعرف على الأشياء والإقبال عليها أو النفور منها، وتدرك الخطر وتختار طريقة تجنبه بالهروب أو بالمواجهة حسب الأحوال، وهذه الحيوانات تظهر الحب والكراهية بسلوكها، فهي تحب الأليف وتعطف على الصغار وترعاهم، ومنها فصائل يظهر في سلوكها الرضا أو المكر أو المهارة أو الأمانة أو الخيانة، وتشترك في حرصها على الحياة في جماعة ويضحي الفرد بنفسه من أجل الجماعة، وفصائل تصبر على الحرمان وتظهر أن لديها إرادة.
وكان العالم الألماني «فون اليش» أول من وصف الحنان الذي تعامل به الشمبانزي مع صغارها فهي تلاعب صغيرها تماما كما تفعل الأم مع طفلها، وذكر جوانب من الشبه بين تصرفات الشبمانزي وتعبيرها عن الرضا وعن الغضب وقدرتها على التصرف لحل المشاكل البسيطة التي تواجهها، وبلغ به الأمر بأن وصف سلوك الشمبانزي بأنه «سلوك إنساني».. وكشف العلماء من نتائج دراستهم لسلوك الكلاب أنها هي أيضا تحب وتكره، وفيها صفة الوفاء لمن تحب بدرجة تفوق البشر، وتواجه بعض المواقف الصعبة تماما كما يفعل الإنسان إما برد الهجوم بهجوم مضاد، أو بإظهار الغضب والنباح كما يفعل الإنسان بالصياح وقت الغضب، أو يلجأ إلى الهرب والجري بعيدا، فإذا ضربت الكلب بالعصا فقد يجري بعيدا، وقد يعض العصا على أن العصا هي المعتدية عليه، وقد يعض الشخص الذي ضربه إدراكا منه بأنه هو المسؤول وليست العصا.. وفي مواقف العراق بين الحيوانات سجل العلماء الشراسة والعنف إلى حد قتل الخصم، بينما البعض يهرب من المواجهة.
يتبع
بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
01/07/2017
2839