+ A
A -
عظيم أن تقرر كبرى شركات التكنولوجيا المعنية بمواقع التواصل الاجتماعي التصدي بعمل جماعي فيما بينها للتطرف والإرهاب وحذف محتواهما من منصاتها، وذلك بالرغم من مرور زمن طويل عانت فيه البشرية جمعاء من هذا الوباء، فقد تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.
والخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء يتضمن إعلان الشركات العملاقة المسؤولة عن مواقع التواصل الشهيرة مثل فيس بوك وتويتر ويوتيوب وكذلك محركات البحث مثل جوجل أنها قد قررت تشكيل مجموعة عمل عالمية تأخذ شكل منتدى عالمي للإنترنت (الشبكة العالمية للمعلومات) لمكافحة التطرف والإرهاب لدمج جهود هذه الشركات العملاقة لإزالة المحتوى المتطرف والإرهابي من منصاتها المختلفة والوقوف في وجه المتطرفين.
وكما هو معروف فإن المهمة ذاتها، أي مكافحة التطرف والإرهاب على منصات شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة كانت موضع اهتمام بل وتفعيل عبر محاولات عديدة من جانب هذه الشركات العملاقة. ولكن جميع هذه الجهود لم تؤت ثمارها.
وكانت الحجج المطروحة من جانب هذه الشركات العملاقة تبريرا لعجزها إما ذات طابع سياسي محض تتعلق بمشكلة عدم المساس بحرية التعبير وكذلك الحريات الخاصة. وإما ذات طابع فني محض، بمعنى أنه من الصعب للغاية السيطرة من الناحية الفنية على المحتوى المتطرف والإرهابي، لأن ذلك يحتاج إلى وضع آليات فنية مبتكرة لها نفقاتها العالية وتحتاج لزمن طويل. وإما ذات طابع تجارى يتعلق بالاستثمارات التي تضخها هذه الشركات في هذا العمل ولا تريد أن تخسر أرباحها منها إذا تم تحجيم نشاط المتطرفين.
ولكن تسارع وتيرة الأحداث الإرهابية في أكثر من بلد أوروبي مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا، بل وبريطانيا ونقل تنظيم «داعش» المعركة إلى داخل أوروبا أقلق الغرب إلى حد كبير وأوجد رأيا عاما مناهضا لأداء شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها الآلية التي ثبت لجوء المتطرفين إلى استخدامها لتهديد الأمن وزعزعة الاستقرار. وانتقل قلق الرأي العام إلى السياسيين والحكومات ذاتها، وبدأت الحكومات في ترجمة القلق إلى ضغوط سياسية على الشركات العملاقة المسؤولة عن شبكات التواصل الاجتماعي للقيام بعمل جماعي يزيل التطرف من منصات التواصل.
هكذا دعا زعماء الاتحاد الأوروبي صراحة إلى تشكيل المنتدى العالمي الذي يجمع جهود الشركات العملاقة لتخليص منصات التواصل من المحتوى المتطرف، واستجابت الشركات تحت الضغط السياسي الجديد لهذا المطلب. ولكن المتداول من المعلومات وحتى يرى هذا المنتدى النور فيه من أوجه الغموض أكثر مما فيه من الوضوح، ويتعامل مع قضايا معقدة ليس من السهل في الأجل المنظور أن ينجح في حل شفراتها على الأقل من جوانبها الشكلية والقانونية.
فوفقا لبيان الشركات العملاقة بهذا الخصوص فإن المنتدى سيصوغ ويضع هيكلا لمجالات التعاون الحالية والمستقبلية بين الشركات وسيدعم التعاون مع شركات تكنولوجيا أصغر ومنظمات للمجتمع المدني وأكاديميين وحكومات وكيانات مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. والتوصل إلى صيغة للكيان الجديد في إطار هذا الكم الكبير من الشركاء مهمة صعبة بكل المقاييس لأن لكل منها تصورها وقواعدها المفترضة للقيام بهذه المهمة. ويحتاج المنتدى لأساس قانوني أي إلى تشريعات قانونية يتم الاتفاق عليها. وقد ينجح الاتحاد الأوروبي في توفير الغطاء القانوني، ولكن من الصعب وضع تشريعات قانونية للشركات الأصغر التي تعمل على مساحة واسعة من العالم. ومن جهة أخرى فإنه من المفترض أن تشمل مهمة المنتدى تحسين العمل الفني فيما بينها، وهي مسألة معقدة تحتاج إلى وقت وتجارب لإثبات نجاحها. إلا أن هناك مشكلة أخرى لها ما بعدها وهي ربط مهمة المنتدى الجديد بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات وخبراء مكافحة الإرهاب، لأن النتيجة في هذه الحالة ستكون انتقائية، فضلا عن هيمنة هذه الأجهزة على المهمة بأكملها، وفي أخف الأحوال سيكون الشد والجذب هو سمة العلاقة بين الشركات وهذه الأجهزة مما يحد من فرص النجاح.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
01/07/2017
2558