+ A
A -
ذات جلسة، ابتليتُ ببني آدم لا يعرف فضيلة الصمت، أو فضيلة الإنصات لغيره. كان كعفريت الست، أو كمؤشِّر مذياع فالت، بتنقّل (دون ضبطٍ أو سيطرةٍ) من محطةٍ لأخرى: في السياسة، ولا هنري كيسينجر، وفي الشعر ولا المتنبي، وفي السياحة ولا ابن بطوطة، وفي خفة الظل، ولا أنيس منصور..جِماع ادّعاءات، وحصيلة إسقاطات، خرّبت بيته وبيوت مستمعيه، تنحنحتُ وتنحنح صديقي أبوعماد، ومال عليّ:
-صاحبك هذا..من أين أتيتَ به؟
-لم آتِ به، ولم يأتِ بي، ابتليتُ بمعرفته ذات حفلةٍ عامةٍ.
-يا زلمة،أي دلدقها، قال لي أبوعماد.. خليه ينهدّ شويّة.
-وهل أملك وسيلةً لهدّه أو إسكاته؟ ربك يهدّه، ويهديه يا ابن الحلال.
كان هذا الحوار الجانبي، يدور بيني وبين صديقي القاص الجميل أبوعماد، فيما صاحبنا «خفيف الظل» إياه منطلقٌ يروي للصحبة مشاهداته في بلاد السند والهند،وبلاد تركب الأفيال، غير عابئٍ بما يدور حوله،وغير ملْقٍ بالاً لتذمُّر المتذمِّرين، أو تأفُّف القرفانين من حكاياته، وذاتياته.
سرحتُ طويلاً في تلك النظريات التربوية التي ترى أن الفردَ نسيجُ وحدِهِ، وأن سلوكياته، وتصرُّفاته إنما هي نتاج المجتمع الذي يعيش فيه، ويعايشه، والتي لا تعطي كبير أهميةٍ للإرث الجيني، والتربية البيتية، التي هي أولى الدوائر التربوية الأربع في حياة الطفل قبل الحي والمدرسة والإعلام..وتهتُ في هذه المقولات، والنظريات، لأن الأخ إياه، كان منطلقاً كقطار غزة -القاهرة (أيام العز) وسط صحراء سيناء، لا يتوقف، ولا يُعطي ركابه فسحةً من الراحة من غضب الصحراء وترابها.
وربما أكون خلصتُ إلى نتيجةٍ بسيطةٍ، لا تُغضب أحداً: «في البيت، يجب أن نلقّن أبناءنا فضيلة الإنصات، وليس القهر، والإسكات، بل التعويد على حُسن الاستماع بكل حواسّهم للآخر».
أتصور أن علينا أن نغرس في نفوس الأبناء التمثُّل بالقيم النبيلة ومن بينها: القدوة والمثال، لأن هذا يهيّئ لهم التأسّي بالرجال المحترمين الذين هم علامات، ومنارات هادية في مجتمعاتهم..
ويقيناً أن صاحبنا ذا العيار الفالت لم يقابل في سنوات تربيته الأولى من هداه إلى فضيلة الإنصات..وقديماً قال الشاعر:
-وينشأ ناشئُ الفتيان فينا..على ما كان عوّده أبوهُ.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
30/06/2017
2868