+ A
A -


غادرنا شهر رمضان المبارك على سائلين الله عز وجل أن يعيده علينا أعواماً مديدة. ومع انتهاء الشهر الفضيل حل عيد الفطر السعيد إعلاناً لانتهاء شهر رمضان، لكنه ليس إعلاناً بأن الصوم كشعيرة قد انتهى، فالمسلمون لديهم من النوافل الأيام الكثيرة التي يمكنهم أن يتقربوا بها إلى الله عز وجلّ. زاحمت السياسة شهر العبادة ومعانيه الراقية في الرحمة وصلة الأرحام ونبذ الخلافات، فالحصار على قطر وما رافقه من قطع للعلاقات الدبلوماسية وتبعات ذلك، أضافت أجواءً من التوتر إلى ما هو موجود في المنطقة أصلاً من خلافات وانعدام للاستقرار وموجات اللاجئين والمهجرين والمعاناة التي يعيشونها.. فالإنسان العربي يأمل في أن تقل قائمة الخلافات وتتراجع الأزمات ويعود المهجرون إلى ديارهم، وينتقل التفكير من البحث عن مسلمات الحياة إلى ما هو أبعد من ذلك من تقديم مساهمة للإنسانية في ميادين التعليم والاقتصاد والإعمار.
المتأمل لما يحدث للإنسان العربي يتلمس بشكل جلي الاستهداف غير المنقطع لتشتيت تركيز ذلك الإنسان وإبقائه في منطقة ما هو أساسي وضروري مع صعوبة بالغة في تأمينه بالكيفية التي يتمناها وفي الأوقات التي تساعده على تحقيق أهدافه بشكل يدفعه للإبقاء على زخم التقدم والعطاء حتى يتمكن من التفكير فيما بعد نفسه وذاته.. بعد كل هذه العقود ربما لا يستغرب الكثيرون من العرب كل هذا الاستهداف، فأهل العلم المتميزين لم تتحملهم مجتمعاتهم فجمعوا أنفسهم وانتشروا في أرض الله الواسعة.. وأهل المال لم يترك لهم الحاسدون وقتاً ليهنئوا فيما بين أيديهم وأهل الفكر جففت منابعهم وتمت شيطنتهم تمهيداً لعزلٍ كاملٍ عمن حولهم.
منطق الاستهداف للعقل وفكرة البناء والتكوين والتأسيس لأجيال ومستقبل قادم تتوسع في بعديها العمودي والأفقي. فصناعة الترفيه مثلاً التي ابتدعها الغرب في مدنيته الحديثة في سياق واضح وهو حاجة الإنسان الذي يعمل بجد وينتج ويؤثر ويبني إلى بعض الوقت لنفسه بغض النظر عن مدى قناعة البعض، تحولت إلى أداء إلى صناعة إنسان عابث سطحي فخور بأنه مهمش وأنه بلا تأثير، وإن أريد له أن يؤثر فيجب أن يكون بقدر ومساحة تمنح له.
لا شك أن الإنسان في مجتمعاتنا بحاجة إلى «ساعة لنفسه» يعيش حالة من الفرح والأمل، فهم تتحقق له هذه الساعة في ظل كل عوامل عدم الاستقرار والتشويش وتغيير بوصلة الاهتمامات وخلط الأوراق بشكل ضاع في السمين وأحتفل بالغث؟ بالتأكيد لم يتحقق له تلك الفسحة لا في أوقات العبادة مثل شهر رمضان المبارك ولا حتى في الفرح في العيد، حيث جائزة الصوم.
يقال إن العربي لديه شغف بالسياسة والكل يفتي ويحلل ومتفاعل حتى النخاع فيما يجري حوله، هذا بالضرورة لا يعكس رغبة وإرادة لفعل ذلك بقدر ما يعكس استجابة إلى حالة الاشتباك اللحظي للسياسة بتفاصيل حياته اليومية، فحتى لو قرر ذلك الإنسان أن يطّلق السياسة، فإن السياسة لا تتركه وشأنه.. لعل الأسر الخليجية المِتأثرة بتفاعلات الأزمة الخليجية الحالية مثال جلي حيث تزج السياسة بنفسها عبر تأثيراتها بين الزوج وزوجته والأبناء ووالديهم.
في العيد فرح وأمل ومشاركة وتواصل، كلها قيم لا شك سجّلت حضورها، وهي كلها تأتي مع الدعاء أن يكون الغد والعيد القادم ورمضان القادم أفضل وأكثر أملاً وسعادة من سابقاتها، وكل عام وأنتم بألف ألف خير ونعمة.
بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
28/06/2017
3161