+ A
A -
التحدي الذي تواجهه دولة قطر بعد قرار محاصرتها من قبل ثلاث دول في مجلس التعاون(المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة والبحرين) بالإضافة لمصر مرتبط بما تواجهه الدول الصغرى في إقليم خليجي وعربي تتنوع فيه أحجام الدول وسياساتها. لابد لتفسير الموقف القطري الراهن من إطلالة على بعض من التاريخ، لقد شعرت الدوحة بحاجتها للاستقلالية، هذا هو بالتحديد ما مارسته كل من سلطنة عمان والكويت ودبي والامارات كدول صغرى في منطقة الخليج بطرق مختلفة عبر تاريخها الحديث، وهو ما أخفقت به البحرين بعد 2011.
فبسبب أزمة حدودية عام 1992، ثم أزمة سياسية كبرى في عام 1996 بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية بصفتها الدولة الأكبر والأقوى وجدت قطر مبكرا أنها بحاجة لتطوير خطها المستقل ان كان لها أن تحمي وجودها وثرواتها.
يبدو أن الجغرافيا صاغت قطر من خلال تشاركها مع السعودية بحدود برية هي حدودها الوحيدة كما وتشاركها مع السعودية في الأصل الديني الوهابي ثم تشاركها مع إيران فيما بعد بحقل غاز ضخم. لقد سعت قطر في خطوتها نحو الاستقلالية لبناء محطة إعلامية توصل صوتها لأبعد من جغرافيتها الصغيرة، لقد كان الإعلام في الاقليم العربي حتى أواسط تسعينيات القرن العشرين من نصيب المملكة العربية السعودية بصورة واضحة بينما أصبحت الجزيرة بأطروحاتها النقدية وسيلة لرفع سقف النقاش وكسر الإحتكار الإقليمي في مجال الإعلام.
لكن قطر لم تكتف بالجزيرة، فقد جذبت الدوحة القاعدة الأميركية (العديد) عام 2000 وقامت باستقبال قيادة القوات الجوية الأميركية في الخليج في قاعدة العديد 2003. كما توسعت قطر ببناء صناعة إعلامية ومؤسسات بحثية تتميز بسقف نقاشها وعمق دراساتها، وهذا لم يكن منفصلا عن بناء مطار وميناء حديثين وفق مواصفات عالمية (الاستعجال في الميناء تم بعد أزمة سحب السفراء في 2014). وقد توج كل هذا بشراكة مع مؤسسات عالمية ومشاريع عملاقة في ظل الفوز بعقد كأس العالم لكرة القدم 2022. كل هذا قدم للدولة الصغيرة الاستقلالية في إقليم متقلب. لقد أصبحت قطر، اتفقنا أم اختلفنا، تمثل رأيا آخر في الإقليم، وهو بحد ذاته مصدر قوتها، وهذا ليس بغريب في إقليم مكون من عشرات الدول العربية. لهذا تفاعلت الدوحة مع الثورة العربية في 2011، وانتقدت الانقلاب المصري على الرئيس المنتخب مرسي في 2014، وهذا أكسبها محبة فئات أساسية في العالم العربي لكنه أكسبها بنفس الوقت أعداء خاصة في مراكز النفوذ الرسمية العربية.
وتواجه قطر بعد الحصار والعقوبات المفروضة عليها أزمة وجودية لأن الحصار سعى لكسرها وتغيير نظامها السياسي. أزمة الحصار BLOCKADE لم يعرف مجلس التعاون مثلها بين دوله منذ انشائه عام 1980. لقد دفع الحصار قطر لجلب قوات عسكرية تركية ضمن قاعدة عسكرية كان العمل جار لانشائها، وعززت الدوحة علاقاتها بتركيا سياسيا واقتصاديا، لكنها بنفس الوقت التفتت لأهمية قاعدة العديد الأميركية. وبنفس الوقت سعت الدوحة لجلب المواد الضرورية بسبب المقاطعة من البحر والجو من مناطق جديدة تتضمن إيران وتركيا والعراق، وهي الآن تغير خطوط الحركة التجارية البحرية نحو منطقة حرة جديدة في سلطنة عمان. ولهذا في ظل الأزمة تكتشف الدوحة أصدقاء جددا كما وتجدد علاقاتها في أوروبا والولايات المتحدة وتكتشف أسواقا جديدة. لقد وجدت قطر أثناء الأزمة بأن التزامها بقناة الجزيرة والمنابر الاعلامية المنتشرة في لندن واسطنبول والعالم يمثل قوة ناعمة قادرة على إبراز وجهة نظر متوازنة في ظل وضع غير متوازن.
لقد قدمت الدول المحاصرة مطالبها لقطر عبر الكويت في 23-6-2017 وأرفقتها بمهلة تدوم لعشرة أيام. إن المطالبة بغلق محطة الجزيرة حرمان لملايين العرب من الاستماع لهذه المحطة، كما أن المطالبة بإلغاء الصحف والمنابر الإعلامية الأخرى يمثل تدخلا في حق التعبير عوضا عن ترك هذا الامر للجمهور العربي والخليجي ليقرر ماذا يريد أن يشاهد ويقرأ. ان المطالبة بغلق القاعدة العسكرية التركية وعدم تجنيس أي مواطن خليجي وتخفيض العلاقات مع إيران (رغم وجود حقل غاز مشترك) يقوض حقوق السيادة ويبتعد عن إمكانية إيجاد حل منصف لأزمة العلاقات والحصار. بنفس الوقت إن استمرار الوساطة الكويتية دليل إيجابي وسط حقل من الألغام. لهذا تبدو هذه الأحداث بداية لقطيعة قد تطول كما وقد تتضمن مزيدا من التصعيد كتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون، ولن يتوقف قطار الحرب الباردة الجديدة على حدود الخليج، فهو، إن استمر بهذه الوتيرة، سيشمل كل الإقليم وسيدخل بقوة أكبر كل من إيران وتركيا على خط الأزمة. استمرار الوساطة الكويتية من ضرورات إبقاء هذه الحرب الباردة ضمن حدود لا تتجاوزها.
بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
25/06/2017
4177