+ A
A -
في السوبر ماركت الأنيق بضاحية «بيدفورد» في مقاطعة نوفاسكوشيا الكندية،تقدمت السيدة العجوز،تجرُّ عربتها المليئة بأشيائها التي تسوّقتها صباحاً،باتّجاه الشابة العفيّة،التي لا تفارقها ابتسامتها،وهي واقفةٌ أمام حاسبتها:
-آسفة يا ميس،هذا كيسٌ بلاستيكيٌّ زائدٌ،وجدته ضمن أشيائي،تفضّلي،ربما يحتاجه زبونٌ آخر.
تناولت الشابة العفية ذات الإبتسامة المزروعة على شفتيها،وصفحة وجهها الكيسَ البلاستيكيّ،الذي وجدته السيدة العجوز،زائداً ضمن أشيائها،ووجّهت كلامها للسيدة العجوز،مشفوعاً بابتسامةٍ أكثر مودة،وإشراقاً.
-ما كان عليكِ أن تعيديه يا سيدتي،ربما كنتِ في حاجةٍ إليه مستقبلاً.
- حينما أحتاجه،سأحصل عليه،طاب نهارك،إنه يومٌ مشمسٌ.
ومضت السيدة العجوز تجرّ عربتها الصغيرة،إلى سيارتها المصطفّة في الساحة الواسعة الكبيرة،أمام ذلك السوبر ماركت.
وفي عزاءٍ أقيم في مسجد الجالية،على روح أحد أبنائها،تسابق الجمع لتعزية آل الفقيد في مصابهم الجَلَل:
-عظّم الله أجركم،وطول العمر لأبنائه،اللي خلّف ما مات،واستمعوا لكلمةٍ جمعت زخارف القول،وسحر البيان عن الآخرة،وثوابها المقيم،والدنيا،دار الفناء،التي لا يبقى فيها سوى العمل الصالح،ودارت القهوة العربية،على جموع المعزّين،مع حبّات التمر المكسيكي الفاخر،وبعد أداء واجب العزاء،انصرف الجمع عائدين إلى منازلهم..توقف أبو شادي أمام الإناء الذي حوى التمر،وراح ينتقي واحدةً واثنتيْن وثلاثاً،وتجاوز -إلى ورقةٍ فردها -عدداً آخر من حبات التمر،ولم ينسَ أن «يزلط» إثنتيْن أخرييْن..وانصرف.
في الحكاية الأولى عفّت نفس السيدة الأجنبية عن قِيَمنا،وأعرافنا،عن كيسٍ بلاستيكيٍّ وقع سهواً في الأشياء التي ابتاعتها،وفي الحكاية الثانية،لم يراعِ أبو شادي ابن هذه القيم والتقاليد والأعراف حرمة العزاء،و«لهط» ما توافر له مما قُدّم من واجبٍ.
السلوك الاجتماعي هو التفسير الموضوعي للتشدُّق بمنظومة القِيَم..
العيد على الأبواب،وكل عامٍ ووطننا العربي الكبير في وحدةٍ وأمان،وسلمٍ وسلام..
ما زلت أغني:
سهرٌ على سهرٍ،ومثليَ يسهرُ....وأداعب النومَ الشَّرودَ،وأُقهَرُ
وأظلُّ في ليلي أُغالب وحدتي....والنجمُ غابَ،وغاب ليلٌ مقمِرُ
بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
23/06/2017
2825