+ A
A -
عقد مجلس النواب »المصري« في بداية هذا الأسبوع، جلسة لمناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية أسفرت عن إقراره بـ»سعودة« جزيرتي تيران وصنافير.

لذا ستعد جلسة »تاريخية« بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأنها المرة الأولى، في حدود علمي، التي يقرر فيها برلمان يفترض أنه يمثل الشعب سيادة دولة أخرى على جزء من ترابه الوطني. الأغرب من ذلك أن هذا »المجلس النيابي الموقر« قام بتلك الخطوة غير المسبوقة تاريخيا رغم صدور حكم قضائي من المحكمة الإدارية العليا يقطع بمصرية الجزيرتين، وهو حكم بات ونهائي، ورغم قيام مركز »بصيرة« لقياس الرأي العام بنشر نتائج استطلاعات يشير إلى أن 11 % فقط من المصريين مقتنعون بسعودية الجزيرتين بينما 47 % منهم مقتنعون بمصريتهما، ويؤكد أن 42 % ممن أجري استطلاع رأيهم يرون ضرورة عرض الاتفاقية على الشعب المصري في استفتاء عام.
وليس لذلك كله سوى معنى واحد وهو أن البرلمان المصري يتحدى سلطة القضاء ويستفز مشاعر الرأي العام، ويؤكد أنه مجرد ذيل للسلطة التنفيذية ولا يتمتع بأي قدر من الاستقلال أو حتى هامش الحركة. فما هو يا ترى سر هذا الإصرار العجيب على سعودية الجزيرتين؟
للعثور على خيط يفسر لنا هذا الموقف الشاذ، علينا أن نسترجع تصريحا كان قد أدلى به منذ أسابيع نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، مكرم محمد أحمد، والرئيس الحالي للمجلس الأعلى للإعلام، قال فيه إن الملك سلمان بن عبدالعزيز قد رفض النزول من الطائرة بعد أن حطت على الأرض المصرية قبل حصوله على ضمانات تؤكد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود إبان زيارته للقاهرة على الرغم من أن بعض جوانب الاتفاقية كانت ولا تزال موضوعا للأخذ والرد ولم تكن صيغتها النهائية قد اكتملت بعد. فهل حسم الأمر بعد موافقة البرلمان وأصبح الطريق ممهدا لتوقيع الرئيس ورفع العلم السعودي على الجزيرتين؟
أشك كثيرا، فلا تزال أمام الرئيس السيسي معضلتان عليه أن يتغلب عليهما:
المعضلة الأولى: تتعلق بالدعوى المقامة أمام المحكمة الدستورية العليا حول تنازع الاختصاصات بين الهيئات القضائية، وينتظر أن يصدر عنها حكم خلال أسبوعين يحسم الجدل حول ما إذا كانت المحكمة الإدارية العليا قد تجاوزت صلاحياتها حين أصدرت حكما في مسألة ترى الحكومة أنها تشكل عملا من أعمال السيادة. وليس أمام الرئيس سوى انتظار صدور هذا الحكم قبل أن يصدق على الاتفاقية.
المعضلة الثانية: تتعلق بوجود رأي عام ضاغط يطالب بعرض الاتفاقية لاستفتاء عام. على الرغم من أن الدستور يحرم تحريما قاطعا التنازل عن أي جزء من التراب الوطني، ولو من خلال استفتاء عام، لأن التراب الوطني ملك لكل الأجيال ومن ثم لا يجوز لجيل بعينه أن يتصرف وحده في حقوق تملكها الأجيال القادمة. ومن المتوقع أن يتبارى »ترزية القوانين«، وما أكثرهم هذه الأيام، لإقناع الرئيس بأنه ليس ملزما بعرض الأمر في استفتاء عام لأن الموضوع لا يتعلق بتنازل عن التراب الوطني وإنما برد الحقوق إلى أصحابها!
توقيع الرئيس على الاتفاقية دون انتظار لحكم المحكمة الدستورية ودون عرضها للاستفتاء يضعه في مأزق كبير ويحمله وحده مسؤولية التنازل عما يعتبره أغلبية المصريين ترابا وطنيا. لذا يتوقع ألا تنتهي المسألة عند هذا الحد، وأن تكون لها تأثيرات بعيدة المدى على مستقبل النظام الحاكم في مصر. لذا ننصحه بعدم الإصرار على تسليم الجزيرتين للمملكة العربية السعودية وبالتريث كثيرا قبل أن يحسم الأمر في هذا الاتجاه. فالشعب لن ينسى هذا التصرف مطلقا وسيعتبرهما جزيرتين محتلتين يتعين تحريرهما في المستقبل، خصوصا وأن السيطرة عليهما مسألة تدخل في صميم الأمن الوطني المصري وتصب في مصلحة إسرائيل وحدها.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
22/06/2017
2831