+ A
A -
بعد معركة انتخابية ضارية، تمكن المرشح الشاب القادم من قطاع المال والأعمال بطموح سياسي وفهم للمشهد السياسي في فرنسا، إيمانويل ماكرون من الفوز على تيار اليمين التقليدي، ولم يقف عند هذا الحد بل تمكن في ظرف عامين من تشكيل تيار سياسي «الجمهورية إلى الأمام» ويحقق غالبية في الجمعية العامة أو البرلمان.
بتلك الانتصارات الساحقة والمفاجئة يضع ماكرون فرنسا في صدر المشهد السياسي الاوروبي في وقت تعاني فيه القارة العجوز من تحديات تبدأ بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وما سينتج عن ذلك من تبعات، إضافة إلى الاخطار السياسية والأمنية المتزايدة وموجات اللجوء والمهاجرين التي تجتاح اوروبا.
وصفت الايكونوميست في عددها الأخير الرئيس الفرنسي ماكرون بأنه «منقذ أوروبا»، ذلك أن الجيل الذي ينتمي اليه ليس بعيداً عن اوروبا الحديثة بأزماتها المتجددة. فالرئيس الذي يكاد ينهي عقد الثلاثين من عمره يبدو بارقة أمل للفرنسيين للتخلص من النخبة السياسية التقليدية واتباعها من الدولة العميقة، ويطمح في مرحلة سياسية أكثر شفافية وأقل فساداً ومفسدين. الأمل في التغيير في ظل انتخاب ماكرون تجاوز فرنسا إلى دول أوروبية أخرى، فهذه ألمانيا تحت زعامة انغيلا ميركل ترحب بانتخاب ماكرون وتكون أول الزعماء الذين تستقبلهم. إشارة في غاية الاهمية وتعطي دلالات حول شكل العلاقة المستقبلية بين فرنسا وألمانيا. من المعروف أن فرنسا وألمانيا غير راضيتان عن سلوك الإدارة الاميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب وبتوجهاتها في ما يتعلق بالناتو وغير ذلك من التوافقات السابقة حول العلاقة بين أوروبا وبين الولايات المتحدة الاميركية. وعلى صعيد متصل فإن باريس وبرلين معنيتان بملء الفراغ السياسي والاقتصادي الذي يمكن أن يتركه انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، كما أنهما معنيتان بقدر أكبر بالتنسيق بينهما خلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد والمفترض أن تبدأ يوم 26 يونيو 2017.
لقد ظهرت ديناميكية الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون في الأزمة الخليجية الراهنة.
الرئيس الفرنسي ماكرون وفي اتصالات هاتفية مع حضرة صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ومع المستشارة الألمانية انغيلا ميركل ومع ملك المغرب محمد السادس أعلن استعداد فرنسا للعب دور وتقديم كل ما يمكن لنزع فتيل الازمة. هذا النشاط السياسي والتنسيق مع المانيا يؤكد حالة الاحباط من الدور الاميركي غير الواضح نحو الأزمة رغم العلاقات التاريخية التي تربط واشنطن مع منطقة الخليج، الأمر الذي يؤكد قراءة باريس وبرلين من أن إدارة ترامب يصعب التكهن حول مسارات سياساتها الخارجية كما يصعب التعامل مع تلك السياسات الخارجية.
فرنسا ماكرون تبدو حريصة على بناء نموذج مختلف في فرنسا، نموذج يتقدم فيه الشباب أصحاب الكفاءات وتتشكل طبقة سياسية بعيدة عن الدولة العميقة التي تعيد إنتاج قيادتها رغم الفساد والعثرات السياسية المتكررة. حصوله على غالبية في الجمعية العامة سيساعده، لكن ذلك لا ينفي وجود الكثير من المطبات السياسي التي تأسست عبر مؤسسات الدولة العميقة والتي لن تجعل الطريق أمامه مفروشة بالورود. لقد خلق ايمانويل ماكرون حالة سياسية في أوروبا في لحظة تاريخية مع عمر القارة العجوز، فهل ستستفيد من هذه الحالة دول أخرى في أوروبا؟ ذلك ما سيكشفه المستقبل القريب.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
21/06/2017
2813