+ A
A -
أنجَزَ الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون ما كان يَطمح إليه، إذ استطاع حزبه (الجمهورية إلى الأمام) أن يًحقق الأغلبية المُطلقة في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية والتي جَرَت قبلَ أيامٍ قليلةٍ وعلى دورتين متتاليتين.
فوز حزب الرئيس إيمانويل ماكرون واكتساحه للبرلمان بغالبيةٍ مؤثرةٍ ومُقررةٍ، له تداعياتٍ هائلةٍ على الخريطةِ السياسيةِ الفرنسيةِ، وخاصة على الأحزابِ التاريخيةِ، وبالأخص منها الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي وَجَدَ نفسه الآن أمام أزمةٍ كُبرى قد تُهدّد مُستقبله كحزبٍ فرنسيٍ عريق، وقد اضطر الأمين العام للحزب، جان كريستوف كومباديليس، إلى الاستقالة فور إعلان النتائج الأولية للانتخاباتِ التشريعيةِ.
وبالطبع، إن هزيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي وتراجع حظوظه ليس وليدَ لحظتهِ، بل يعودُ لأسبابٍ عدة، أهمها إخفاقات عهد الرئيس الفرنسي الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند، والتي تسبّبت في تراجع عدد المنتمين إلى الحزب بأكثر من النصف (أقل من 120 ألف عضو مسجّل رسمياً في الحزب في مطلع السنة الحالية، مقابل 256 ألفاً عام 2007). وعليه فقد مُني الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي كان يحظى بالأغلبية المطلقة في البرلمان السابق بـ295 مقعداً، بهزيمةٍ تاريخيةٍ، إذ لم ينل سوى 34 مقعداً، يساعده ائتلافه البرلماني مع حزبي (الراديكاليين) وحزب (الخُضر) على تشكيل ثالث أكبر كتلة برلمانية بـ49 مقعداً نيابياً حالياً.
ولكن، إن فوز حزب إيمانويل ماكرون، لايعني أن الأمور كانت على خيرٍ بالنسبة لمسار الانتخابات التشريعية، فنسبة المقاطعة كانت كبيرة نسبياً من قبل الجمهور، وهو أمرٌ يُقلّل من عمق المعنى في الإنجاز الانتخابي، حين وصلت نسبة إحجام الجمهور عن المشاركة إلى حدودٍ قياسيةٍ، عندما تَعَدّت النصف تقريباً لمن يحق لهم الانتخاب من المسجّلين على القوائم الانتخابية. فالمقاطعة وصلت إلى حدود 57% من 74 مليون ناخب فرنسي شاركوا في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جَرَت، وقد مثّلت اكبر نسبة مقاطعة للانتخابات سجلتها فرنسا، وكانت الدورة الأولى قد سجلت ايضاً مقاطعة كبيرة للناخبين وصلت نسبتها إلى 51%.
هذا التراجع الإضافي في نسبة المشاركة واتساع المقاطعة، بعد دورةٍ أولى جرت قبل أسبوعٍ، واعتُبرت الأقل استقطاباً لاهتمام الناخبين، ساعد حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، على الفوز بالأغلبية المطلقة بـ360 مقعداً برلمانياً، من بينها 44 مقعداً لحليفه الوسطي (التيار الديمقراطي)، الذي يتزعمه وزير العدل فرنسوا بايرو. فغالبية المقاطعين كانوا بالأساس من جمهور الحزب الاشتراكي الفرنسي كما تُشير المعطيات.
وعليه، نحن هنا أمام خريطة جديدة للبرلمان (الجمعية العامة) في فرنسا، أصبح فيها حزب إيمانويل ماكرون صاحب الكتلة الأولى. أما صاحب الكتلة الثانية فهو الائتلاف اليميني، الذي يضم (حزب الجمهوريين) و(اتحاد الديمقراطيين المستقلين)، وبواقع 125 مقعداً. بينما باتت الكتلة البرلمانية الثالثة من نصيب الحزب الاشتراكي الفرنسي وحلفائه.
ونُشير هنا أيضاً، أن (أحزاب الأطراف) الصغيرة كانت المستفيد الأكبر في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية. فقد تمكّنت مجموعة (فرنسا المتمردة)، بزعامة جان لوك ميلانشون، من إحراز 19 مقعداً، متجاوزاً بذلك عتبة الـ15 برلمانياً الضرورية لتشكيل كتلة نيابية. كذلك حزب (الجبهة الوطنية) اليميني الشوفيني بزعامة مارين لوبين حيث تمكّنت للمرة الأولى في حياتها السياسية من دخول القبة البرلمانية الفرنسية، وحصل حزبها على ثمانية مقاعد.
وخلاصة القول، شكّلت الانتخابات النيابية الفرنسية الأخيرة، تجديداً في البرلمان الفرنسي، وإعادة توزيع لحضور القوى والأحزاب، وتراجع ملموس وكبير لحضور الحزب الاشتراكي الفرنسي في البرلمان وحتى في الشارع الفرنسي. كما أضفت أيضاً مسحة أنثوية، إذ ارتفعت نسبة أعضاء البرلمان الفرنسي الجديد من الجنس اللطيف بشكلٍ ملموس، فقفز عدد النساء في البرلمان من 115 إلى 223 نائباً، من إجمالي 577 عضواً.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
21/06/2017
1699