+ A
A -
قبل أيام أصبح لدى اللبنانيين قانون انتخابي جديد لطالما تاقوا اليه منذ عشرات السنين. فبعد كباش دام أشهرا طويلة وسجالا صم آذان اللبنانيين واثار لديهم صداعا في الرأس، أقر مجلس النواب مشروع قانون يستبدل القديم القائم على النظام الأكثري بآخر يعتمد مبدأ التمثيل النسبي. كان الطموح قانونا يعكس صحة التمثيل وعدالته عبر الخروج من الشرنقة الطائفية، واذ بهم يصابون بالذهول من قدرة الطبقة السياسية على ابتداع قانون يتيح التمديد مرة أخرى للمجلس النيابي وثم التجديد لنفسها.
بعد فراغ دام سنتين ونصف السنة في موقع رئاسة الجمهورية بفعل مقاطعة زعيم «التيار الوطني الحر» ميشال عون مدعوما من «حزب الله» جلسات مجلس النواب بهدف تطيير النصاب القانوني، تمكن عون من فرض نفسه رئيسا للجمهورية. الخروج من المأزق جاء ثمرة صفقة عقدت بين سعد الحريري زعيم «تيار المستقبل»، الذي تراجع عن موقفه الرافض لانتخاب عون مقابل عودته إلى رئاسة الحكومة وتأجيل موعد الانتخابات النيابية أطول مدة ممكنة. انتخب عون رئيسا للجمهورية في 31 اوكتوبر الماضي وتشكلت حكومة جديدة برئاسة الحريري في نهاية العام. عقد مجلس الوزراء أولى جلساته وأقر في خلالها تلزيم «المربعات» البحرية التي سيبدأ منها التنقيب عن النفط والغاز، وكذلك ابرام صفقة استئجار بواخر مولدة للطاقة الكهربائية تحوم حولها شبهات كثيرة.
بعدها تراجعت الحكومة عن الساحة تاركة لأقطابها الأساسيين ايجاد الصيغة والمخرج للتوفيق بين حاجة «التيار العوني» إلى تحقيق انجاز ما يسجل في خانة «الاصلاح» والالتزام بوعد تأجيل الانتخابات التي كان من المفترض ان تجري في نهاية هذا الربيع. وخلافا للدستور والقانون تولى رئيس «التيار العوني» ووزير الخارجية جبران باسيل على مدى ستة أشهر اقتراح مشاريع قوانين انتخابية الواحد تلو الآخر تقطيعا للوقت. واستمرت مسرحية إلهاء الرأي العام بالخلاف حول أي قانون بين المختلط والنسبي، وحول عدد الدوائر وتوزيع المقاعد، فيما تمنع الحريري عن عقد جلسة لمجلس الوزراء من أجل مناقشة واقرار مشروع قانون انتخابي كما هو منوط به بحسب الدستور.
كان همّ زعيم «تيار المستقبل» كسب أطول مدة من الوقت من اجل التفرغ لرأب الصدع في قواعده واعادة رص صفوفها التي تآكلت بفعل التراجعات في مواقفه، بدءا من تنكره لتحالف قوى 14 آذار ثم قبوله بعون رئيسا، انتهاء برفع الفيتو عن «حزب الله» والموافقة على الاشتراك معه بحكومة واحدة. وكلها خطوات أثارت استياء كبيرا لدى شعبيته الواسعة، التي اشتد عصبها في السنوات الماضية على الخصومة مع «حزب الله» وسلاحه، ومع عون المتحالف معه ومع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
فقد مني قبل سنة بخسارة مدوية في معركة انتخابات بلدية طرابلس على أيدي أحد المقربين منه وهو لواء سابق تحدى الحريري رغم تحالف الأخير مع كل أقطاب المدينة. وتسلل النزف أيضا إلى معاقله في أقصى الشمال وفي البقاع الغربي، ما دفعه إلى تمثيل المحافظات الثلاث بوزراء من كتلته النيابية لتشريع باب الخدمات. ناهيك عن الحصار السياسي والمالي الذي يعاني منه منذ أكثر من سنتين بفعل الحملة التي شنتها السعودية على «حزب الله» وصنفته تنظيما إرهابيا، وتجميد هباتها المالية لدعم الجيش اللبناني وتسليحه. وكانت حصيلة هذا التفاهم-الصفقة تطيير موعد الانتخابات والتمديد بالتالي مرة ثالثة للبرلمان لمدة سنة مقابل اقرار قانون يقوم في الظاهر على النسبية، نتيجة اصرار «حزب الله» ونبيه بري عليها. ولكن تصغير الدوائر وزيادة عددها (خمسة عشرة) وحصر الصوت التفضيلي بناخبي البيئة الخاصة بالمرشح، وجعل اللوائح مقفلة، وغيرها من الشروط والألغام يجعله أقرب إلى أكثري مقنع، ما يتيح للقوى النافذة التحكم بالنتائج بشكل كبير مع احتمال حصول خرق قليل هنا وهناك.
وهكذا بامكان عون تبرير التمديد بالقول انه مجرد اجراء «تقني» من اجل اعطاء الوقت لترجمة الخطوة «الاصلاحية»، والحريري من ترميم البيت الداخلي.
الاثنان اليوم حليفان تجمعهما السلطة... وقد يخلق الله ما لا تعلمون!

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
20/06/2017
2605