+ A
A -
كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء، وذكرت أن الإسلام سابق على كل النظم، في قبول الآخر ومعاهدات الأمان بين المسلمين وغيرهم، فاحتج أحد الاصدقاء بأن المعاهدات الدولية الآن، أكثر دقة وإحكاما من الناحية القانونية، والإلزام بالتطبيق.. ورغم ان حكاية الالزام بالتنفيذ والتطبيق هذه يكذبها الواقع، إلا أن ما قاله صديقي، خطأ يقع فيه كثير ممن لا يريدون الاعتراف للإسلام بسبق، هؤلاء كمن يحلو له التقليل وربما السخرية من جهاز الإرسال والاستقبال الصوتي، الذي اخترعه غراهام بيل، ومقارنته بالهواتف الذكية.. وينسى أنه لولا الجهاز الأول، لما توصلت البشرية للجهاز الثاني على الاطلاق.
أعود إلى الأساس الثالث الذي بنى عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- الأمة الإسلامية في المدينة المنورة، وهو وضعه لقواعد التعامل بين المسلمين وغيرهم من الذين يشاركونهم الحياة والعيشة في الوطن، وأعود إلى فقه السيرة، حيث يقول العلامة محمد الغزالي: إن الرسول- صلى الله عليه وسلم، قد سن في ذلك قوانين السماح والتجاوز، التي لم تعهد في عالم مليء بالتعصب والتعالي. والذي يظن ان الإسلام دين لا يقبل جوار الآخرين، وان المسلمين لا يستريحون إلا اذا انفردوا في العالم بالبقاء والتسلط، هو رجل مخطئ بل متحامل جريء.
ولأن الإسلام سباق وتقدمي في تشريعاته، ومنظم للتعاملات كما هو مشرع للعبادات، فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثيقة للعهد والأمان بين المسلمين واليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة، وكذا المشركين الذين بقوا على وثنيتهم، مجاورين للإسلام والمسلمين.
من المهم ان نقرأ بإمعان وإنصاف، بعضا من بنود وعبارات تلك الوثيقة الإنسانية الحضارية المتقدمة، والتي أورد العلامة الغزالي بعضا منها في كتابه فقه السيرة، لتكون خير ختام لتلك السلسلة، مع نهاية شهر رمضان المبارك.
«ان يهود بني عوف أمة من المؤمنين.. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم»..
«إن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وان بينهم النصح والنصيحة والبر، دون الاثم.. وانه لم يأثم امرؤ بحليفه، وان النصر للمظلوم، وان الجار كالنفس، غير مضار، ولا آثم».. وانه «من خرج آمن ومن قعد في المدينة آمن، إلا من ظلم، وإثم. والله جار لمن بر واتقى».
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
18/06/2017
2705