+ A
A -
إذا كان الحديث الراهن في عالمنا العربي، موضوعه خطط تفتيت العالم العربي، وشق الصف، وإثارة الشقاق، والفوضى، فإن الحقيقة الثابتة والموثقة، تقول إن ذلك كله لم يكن سلوكاً عشوائياً، بل هو تخطيط قائم على فكر، وأدوات، لأيادٍ خارجية، لكنها لا تقوم بهذا الدور بشكل مباشر، بل من خلال وكلاء من داخل صفوف مجتمعاتنا العربية.. وهو شرط أساسي تعترف به الأيادي الأجنبية ولا تخفيه.
وللوكيل المحلي مواصفات محددة، أولها أن يكون جزءاً من التجمعات العربية، شريكاً لها فيما تتفق عليه، في مواجهة التحديات لأمنها القومي.. وفي نفس الوقت يلعب دوره التخريبي في طعن زملائه في ظهورهم، وبهذا يؤدي دوره المطلوب والمرسوم له، مع استغلال ضعف خاصية الانتماء لديه تجاه رفاقه ومجتمعه.
من هذه الوثائق، تلك التي صدرت بعنوان استراتيجية إسرائيل في الثمانينات، والتي ظلت محاطة بالكتمان في إطار كتابتها باللغة العبرية، إلى أن وصلت النسخة العبرية إلى اتحاد خريجي الجامعات الأميركية العرب، في الولايات المتحدة، فقاموا بترجمتها إلى الإنجليزية.
والاستراتيجية تتحدث صراحة عن خطط تفتيت الدول العربية من داخلها، وأن الذي يعجل بتحقيقها، هو إشعال أنواع من المواجهات الداخلية، العربية– العربية، وتقول الوثيقة إن إسرائيل يجب أن تسعى لاستخدام وكلاء محليين، سيكون دورهم في النهاية، خدمة مصالح إسرائيل.
وسوف تسير خطط تفتيت الدول العربية تحت غطاء، من الحروب الداخلية، وباستخدام جماعات مجهزة بالسلاح كوكلاء، أو شن عمليات سرية.. وأن النجاح لهذه الخطط في النهاية يحتاج قادة محليين LOCAL LEADERS، إما عن طريق شرائهم، أو توريطهم.
الوثيقة الثانية: هي الخطة الأميركية التي بدأت رسمياً في عهد جورج بوش عام 2001، بتكليف أحد أبرز خبرائه الاستراتيجيين، وهو مايكل لادين، لإعداد خطة تنفذ على مدى عشر سنوات، لتغيير الدول العربية، من داخلها سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً– والتي عرفت بخطة تغيير الأنظمة.. وكان لادين صريحاً في كتاباته بأن هذا التغيير سيتم عن طريق العنف.
واستكمالاً لهذه الناحية صدرت دراسة لمركز الأبحاث العالمية الأميركي
CENTER FOR RESEARCH ON GLOBALISATION تقول إن رؤية أميركا للشرق الأوسط وقتئذ (2006) تقوم على خلق قوس من عدم الاستقرار، والفوضى، والعنف، يمتد من لبنان، وسوريا، إلى العراق، ودول الخليج.
ولم يعد خافياً عن نظر كل المهتمين من الأميركيين، باستراتيجية أميركا في الشرق الأوسط، خاصة منذ عهد بوش، ومن بعده أوباما، المضي في خطط تغيير الأنظمة، والتي اعترف بها الرئيس ترامب، في خطابه الذي قال فيه: «سنتوقف عن سياسة تغيير الأنظمة».
نفس الخطط جاء الاعتراف بها في وثيقة أخرى، هي الخريطة التي نشرت بمجلة القوات المسلحة الأميركية عام 2006، ومرفق بها مقال يتحدث عن إعادة رسم خريطة الحدود بين دول الشرق الأوسط، لحل مشكلات المنطقة، بصورة تتوافق مع وجهتي نظر أميركا وإسرائيل.. وتقول المقالة المرفق بها الخريطة: إن خلق توترات عرقية، وحروب أهلية، من أجل تسهيل إعادة رسم الحدود، سيكون ضمن وسائل تحقيق هذا الهدف.
وعبر السنوات الأخيرة، تطور أسلوب استخدام الوكلاء المحليين، بعد أن أصبح منهم قادة محليون LOCAL LEADERS، إلى تجهيز عملاء فرعيين، في صورة جماعات وميليشيات مسلحة، يتم إغراقها بالمال والسلاح، ونتيجة إغراء هذا السخاء المالي والعسكري، فقد تكاثرت هذه الميليشيات تحت مسميات عديدة، وكان أبرزها القاعدة، وداعش، لكنها جميعاً تنضوي تحت مظلة شبكة واحدة، تحمل نفس الفكر وتؤدى نفس الدور، ويعتبر فكر الإخوان هو المرجعية الأساسية لها.
وقد توسعت هذه القيادة المحلية التي وصلت إلى أن تحكم دولاً، في دعم واسع النطاق لهذه المنظمات.
ويقول المؤرخ والمحاضر في عدد من الجامعات الأميركية ويبستر تابرلى، في دراسة له بعنوان: «THE ROGUE NETWORK»، أي الشبكة المارقة، إن تعامل الولايات المتحدة مع الإرهابيين، ظهر منذ استخدامها تنظيمات مثل القاعدة للإطاحة بحكومات مستقلة في المنطقة.. وهو ما يحقق لها هدف تقسيم هذه الدول من داخلها.. وتبقى هي بعيداً عن الأنظار.. ومع تطور وتكاثر الجماعات الإرهابية، صارت هناك دول، ممن أطلق عليها الوكيل المحلي، تباشر بنفسها مهمة دعم هذه الجماعات الإرهابية.
المؤامرة إذن– لم تكن منذ استراتيجية الثمانينيات، وخطة مايكل لادين لتغيير الأنظمة، وخريطة حدود الدم، تستهدف دولة عربية دون غيرها، لكن كل الدول العربية كانت مستهدفة.. وضمان النجاح– كما يقول واضعو هذه الخطط– هي قيام طرف من داخل الدول العربية بهذا الدور، رغم تظاهره بالتوافق مع كل أهدافهم في الدفاع عن شعوبهم وأوطانهم.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
15/06/2017
3777