+ A
A -
يبدو الوضع الميداني في سوريا هذه الأيام وكأنه «معلق» بانتظار تطور ما، أو بسبب عجز أطراف الصراع عن خلق كل منهم وقائع جديدة على الأرض. منذ التدخل العسكري الروسي في نهاية سبتمبر 2015 سيطر فلاديمير بوتين على مجريات الميدان وخاض أكثر من معركة حاسمة، وتحديدا السيطرة على حلب التي مكنته من ان يصبح سيد القرار عسكريا ودبلوماسيا.
وفي ظل غياب شبه تام للإدارة الاميركية السابقة ولامبالاتها، لا بل في تغطيتها أحيانا للدور الروسي، راحت موسكو تضع خططا جديدة وتوزع الأدوار.
وقد عملت على شل مفاوضات جنيف عبر خلق مسار تفاوضي بديل في استانة من حلفائها إيران وتركيا، ما مكن قوات النظام السوري من استعادة أنفاسها وفرض على المعارضة دور المتفرج المغلوب على أمره. وراحت مفاوضات «استانة» تتكرر جولات ثانية وثالثة ورابعة... أملا بما ستحمله نتائج صناديق الاقتراع من مفاجآت في الولايات المتحدة. نتائج سعى لها بوتين أو ساهم في صنعها؟
حصلت المفاجأة بنجاح دونالد ترامب، فراح بوتين يترقب التغييرات التي تمناها (أو عمل لها؟). أول الغيث أراحه عندما أعلن ساكن البيت الأبيض الجديد ان هدفه الأول تحجيم إيران ومحاربة الإرهاب و«داعش» وليس اسقاط بشار الأسد. فاعتبر الاعلان بمثابة «الضوء الأخضر» لاكمال خططه. غير انه أمام ضغط النزوح الكثيف وردود الفعل القوية ضد اجراءاته بوقف اعطاء تأشيرات لقادمين من دول إسلامية معنية بالحرب السورية، اعلن ترامب عن ضرورة خلق «مناطق آمنة» للنازحين. فسارع بوتين إلى ملاقاته بتبني الأمر في مفاوضات استانة، وتم على الفور تحديد هذه المناطق وساد وقف لاطلاق النار في معظم الأراضي السورية.
غير ان مفاجأة من نوع آخر قلبت الأمور. استعمال الأسد غاز السارين في خان شيخون دفع ترامب إلى قصف المطار بالصواريخ معلنا انتقال واشنطن من موقع المتفرج إلى موقع المستعد للتدخل عسكريا ضد النظام عندما يقتضي الأمر. وكرت السبحة من إرسال جنود وتعزيزات إلى الشمال دعما لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي يشكل المقاتلون الأكراد عصبها، غير عابئ بالغضب التركي. وقد أصبحت اليوم هذه القوات على قاب قوسين من استعادة الرقة من ايدي «داعش»، إلى تقدم خطة انتشار قوات مشتركة اميركية- بريطانية-اردنية على الحدود السورية العراقية لقطع شريان التواصل الحيوي لطهران نحو دمشق عبر بغداد. ثم جاء ترامب إلى الرياض ليطلق رسائل قوية وملتبسة في آن.
قصف خان شيخون وما تبعه أربك بوتين ودفعه إلى التريث. كل مخطط القيصر الروسي يبدو في مهب الريح، لدرجة ان قوات التحالف الدولي قامت قبل ايام بقصف كتائب الاسد واقتصر الموقف الروسي على الاستنكار. باتت موسكو في حيرة من أمرها. ليست الغاية الاصطدام مع واشنطن كرمى عيون الأسد، ولا يمكن السكوت عن استفزاز واشنطن. في مطلق الأحوال «رسالة» ترامب انهت «اللعب الروسي الأحادي» في الميدان السوري. صحيح ان ترامب ليس اوباما، ولكنه ليس كما تمناه بوتين أو كما «نسق معه على ان يكون» عشية الانتخابات الرئاسية!
خيبة بوتين حملت مفاجأة أخرى هي تلويح الكونغرس الاميركي بفتح تحقيق مع الرئيس بهدف عزله على خلفية الاتصالات التي جرت بينه وبين الكرملين المتهم بالتأثير على انتخابات الرئاسة الاميركية. وهذه مسألة خطيرة حصلت مرة واحدة في السابق عندما أدت فضيحة «ووترغيت» عام 1974 إلى عزل الرئيس الجمهوري الأسبق ريتشارد نيكسون. وزادت الشبهات حول ترامب بعد قيامه باقالة مدير الـ «أف بي أي» جيمس كومي، الذي اتهم سيد البيت الأبيض بالكذب، وأكد في بيانه إلى الكونغرس بانه طلب منه في 14 فبراير الماضي ايجاد طريقة لترك مستشاره السابق مايكل فلين وشأنه ووقف التحقيق معه بخصوص اتصالاته المحتملة مع روسيا من اجل التدخل لصالح ترامب في الانتحابات الرئاسية. فإذا صحت الاتهامات يعني ان ترامب قد حاول عرقلة العدالة، ويصبح الطريق معبدا أمام العزل الذي هو في مطلق الأحوال عملية طويلة ومعقدة.

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
13/06/2017
2642