+ A
A -
قبل بضعة أسابيع فاجأني صديق من أساتذة الجامعة العراقيين المقيمين في المهجر بأن نجله قد اختطف في العراق. ومع أن الرجل مشهود له برباطة الجأش إلا أن الخبر أفقده كثيراً من توازنه وثباته. ولم يصدمني بهذا الخبر وحده وإنما بأن نفس الابن، والذي تجاوز الثلاثين من عمره، سبق أن تعرض للاختطاف قبل ذلك مرتين ولم يُطلق سراحه إلا بعد أن دفعت أسرته فدية للخاطفين.
لكن هذه المرة لم يعثر له حتى الآن على أثر برغم الجهود التي بُذلت. ولم يتصل بأسرته أي خاطفين طلباً للمال ما زاد مخاوفها على المصير الذي ربما يكون قد لاقاه ابنها.
وليس هذا المصاب الشخصي إلا جزءًا من مصاب عام ضرب العراق بشدة ومعه تسع دول عربية أخرى بحسب التقرير السنوي لمكتبNYA البريطاني للاستشارات الأمنية. وبحسب تقريره عن 2016، فإن العراق وسوريا والصومال واليمن وليبيا تندرج ضمن إحدى عشرة دولة تعد الأعلى في درجة التهديد بالخطف أو ما يطلق عليها التقرير مجموعة الدول ذات التهديد الجسيم. أما مصر والسودان والجزائر ولبنان والأراضي الفلسطينية فتصنف بجانب إحدى عشرة دولة أخرى ضمن مجموعة الدول ذات التهديد المرتفع لأنها شهدت زيادة في حالات الخطف ولكن ليس بالكثافة التي تعاني منها دول المجموعة الأولى.
وتتنوع دوافع اختطاف المواطنين لتشمل على سبيل المثال لا الحصر الحصول على المال والثأر القبلي والانتقام المذهبي والاختلاف السياسي. لكن ثمة قاسما مشتركا بين كل حالات الخطف وهو أن الدول الثلاثين التي تضمنها تقرير «الخطف حول العالم» لسنة 2016 إما دولا فاشلة أو رخوة تفتقر إلى القدرة على الإدارة وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين ومن بينها الحاجة إلى ضمان الأمن الشخصي.
ولم تكن حوادث خطف المواطنين في تلك الدول لترتفع إلا بعد أن اختُطفت الدولة نفسها إما من قِبَل جماعات متطرفة، أو نخب تقليدية لا تكترث بالأمن العام ولا تهتم إلا بأمنها السياسي، أو من مجموعات اقتصادية فاسدة اعتادت على اختطاف المال العام.
والدولة المُختَطَفة حالة شديدة التعقيد. فهي موجودة وغير موجودة في نفس الوقت. موجودة على الخريطة العالمية. لها علم ونشيد وتمثيل دبلوماسي ومختلف المظاهر الدالة على وجود كيان مؤسسي تبدو له سيادة. ومع هذا فليس للدولة المُختَطَفة وجود من ناحية ما يجب أن تؤديه من وظائف. فهي لا تملك أجهزة فعالة تمنع الخطف قبل أن يقع أو تصل إلى الخاطفين بسرعة إذا وقع أو تحاسب عليه بصرامة لكي لا يتكرر. ضعفها في الحيز العام شجع الجماعات الخارجة على القانون على اختطافه منها والاستحواذ عليه.
الدولة المُختَطَفة هي التي تمنح الخاطفين، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، الجرأة والمساحة لتحويل الخطف إلى أسلوب واسع يكرس انتشار الجريمة المنظمة. ولهذا فعلاج مشكلة خطف المواطنين لن يتم فقط بإعادة المخطوفين إلى ذويهم وإنما باستعادة الوطن المخطوف أولاً. الأوطان المخطوفة في حاجة إلى أن تسترد عافيتها التنظيمية والرقابية والمؤسسية. أن تعيد بناء قدراتها الشاملة أمنياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وقانونياً. أن تجعل الأمن العام وليس الأمن السياسي عنواناً لراحة الناس. أن تفتح الحيز السياسي للمشاركة الواسعة لأن الانخراط فيه يذوّب المسافات بين الأفراد والجماعات ويلغي الضغائن المجتمعية التي تدفع كثيراً إلى تبادل الانتقام بتبادل الخطف. وأن تعيد توزيع الثروة الاقتصادية لتشمل الفئات المهمشة والبائسة حتى لا يكون الخطف وسيلة لكسب المال. وأن تستعيد وظيفتها الثقافية بتعزيز قيم المواطنة والتصدي للثقافات الانطوائية والقبلية والطائفية والمذهبية الضيقة التي بررت اختطاف الآخرين بل وحتى قتلهم. وأن تعيد النظر في القوانين والتشريعات لكي تستعيد الدولة الهشة وجودها وقدرتها على الردع والمنع والمعاقبة بإنفاذ قوانين صارمة على الخاطفين أياً كانت دوافعهم.
إن اتساع ظاهرة اختطاف البشر كارثة كبرى. فقد ينتهي الخطف بقتل الضحايا وإزهاق أرواح بريئة. كما أنه يُشجع على العنف ويحوله إلى مصدر لتكوين ثروات غير مشروعة. ولا تهدد حوادث الاختطاف أمن الأفراد فقط وإنما تكشف عن ضعف الأوطان وعجزها عن القيام بما كان يجب أن تؤديه من مهام. ولا يمكن أن يأتي الحل عبر تطوير قنوات وأساليب للتفاوض مع الخاطفين. ذلك قد يكون لازماً في مرحلة ما أو في حالات بعينها. لكن الأكثر أهمية من ذلك أن تُستعاد الدولة المُختَطَفة من جديد لتسترد من كل مافيا ما خطفته من أراضٍ أو مال عام أو مناصب أو أي شكل من أشكال الملكية العامة. فالدولة المستعادة هي التي ستستعيد المواطن المُختَطَف وتمنع الاختطاف قبل أن ينتشر مهدداً بإعادة الحياة إلى مرحلة همجية مخيفة.

بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
12/06/2017
3472