+ A
A -
من المسلمات المتفق عليها أنّ الإنسان يمثل جوهر العملية التنموية مهما كانت طبيعتها لأن منطلق التنمية هو الإنسان ولأن هدفها أيضا هو الإنسان. بناء عليه فإن العنصر البشري بهذه الخاصية وبهذه الوظيفة يمثل الخيط الرابط بين مختلف أجزاء كل المشاريع الانمائية التي تسعى لأن تحقق الأهداف التي وضعت من أجلها.

اليوم تتواتر في المنطقة العربية سواء الخليجية منها أو المغاربية الإعلانات الرسمية الحكومية والخاصة عن مشاريع تنموية عملاقة تستهدف الخروج من الأزمة الخانقة التي تمر بها المنطقة بشكل عام بسبب انهيار أسعار النفط من ناحية أولى أو بسبب الأزمة العالمية التي تعصف بالاقتصاد العالمي بشكل كلي. آخر هذه المشاريع هو القرار الذي أعلنت عنه القيادة السعودية ضمن ما سمي ب «رؤية السعودية 2030» وهو مشروع يسعى إلى تجاوز الادمان على النفط وتحقيق اقتصاد تنافسي يجنب المملكة والمنطقة بشكل عام الهزات الكبرى التي قد تعرفها في مرحلة ما سمي بعصر ما بعد النفط.

المشروع السعودي هو مشروع طموح نظريا أي أنه بحكم النوايا والأهداف يمثل حلا ضروريا وعاجلا ولو كان متأخرا بعض الشيء من أجل انقاذ ما يمكن إنقاذه على ضوء التهديدات والمخاطر التي تواجهها المملكة ومنطقة الخليج عموما. الاعتماد على الطاقات البديلة وإدماج المرأة في سوق الشغل وتقوية الصندوق السيادي... كلها إجراءات هامة ومصيرية لو نُفّذت بالصرامة والكفاءة المطلوبة لكنها تستلزم كما هو حال كل المشاريع التنموية إعداد الأداة التي لا يمكن بدونها نجاح أي مشروع مهما كان حجم الأرصدة والتضحيات المرصودة له.

تأسيسا على ما سبق فإن إعداد برنامج خاص بالسياق البشري الخليجي يمثل شرطا أساسيا من شروط نجاح الرؤية السعودية أو أية رؤية تنموية عربية أخرى ونقصد بالسياق البشري الخليجي قراءة الخصوصية الثقافية والحضارية التي يعيش فيها الفرد وينمو. لا شك أن بناء الإنسان بقدر ما هو مشروع كوني يستهدف كل الأمم والحضارات فإنه يتضمن خصوصيات ثقافية وحضارية تكون في بعض الأحيان حاسمة في تحديد حدود نجاح المشروع أو عدمه. فمحاربة الفساد مثلا وتقديس قيمة العمل وغرس روح المبادرة لدى الناشئة وتطهير بيئة العمل وتفعيل دور المدرسة والأسرة هي في الحقيقة قوانين وقواعد كلية تسمح ببناء الإنسان في كل مكان وزمان. لكنها تستلزم من جهة أخرى مراعاة السياق الحضاري والثقافي والقيمي للدولة أو للأمة المستهدفة بهذا المشروع لأن الخصائص الذاتية هي في كثير من الأحيان خصائص فارقة ومصيرية بسبب اختلاف الحضارات والثقافات وتمايزها.

الفرد الخليجي بشكل عام لا يزال يتمتع بدور «الدولة الأسرة «أو ما يمكن أن يُصطلح عليه «بالرابط الأبوي» الذي يصل الدولة بالفرد بشكل عام حيث توفر الدولة ـ مستفيدة من العائدات النفطية والغازية الهامة ـ كل مستلزمات الرفاه والعيش الكريم للمواطن. هذا السياق الذي نجح بالأمس في تأمين المجتمع والدولة لم يعد قادرا اليوم في ضوء تغير موازين المشهد الاقتصادي العالمي والاقليمي على تأمين حياة الفرد وضمان استمرارية الدولة وهو ما يفرض أولا وقبل كل شيء تحرير الإنسان العربي عامة من سجن الوظيفة الحكومية والتعويل المطلق على الدولة والدفع به نحو خوض غمار المبادرة الحرة والتعويل على الذات قبل كل شيء.



بقلم : محمد هنيد

copy short url   نسخ
28/04/2016
1405