+ A
A -
في صقيع الشتاء، حيث تمطر السماء ثلجاً هنا في الشرق الكندي، والجو يستحيل إلى فريزر مفتوح، يخرج «برايان» متدثراً، وقد تلفّع، وغطّى أذنيه، يقود ماكينته اليدوية، ويجرّف بها أكوام الثلج عن بيته، وبيوت جيرانه، فيما يكون بعض الجيران قد سدّوا مداخل بيوتٍ أخرى بسياراتهم.
جاري برايان لديه إحساسٌ فطريٌّ بأخلاقيات القرية، في التعاون، والإيثار، والمساعدة.
في بداية الربيع، شاهدته، يساعده جارانا الزوجان الكوريان الشابان، يقوم بتشذيب حشائش ونبتات الجزيرة الخضراء التي تتوسط المجمّع السكني الذي أعيش فيه..كان - إذ ذاك- سعيداً بعمله، الذي باشره صباح يومٍ صحوٍ من أيام الربيع، اقتربت منه (وأنا أعرفه معرفةً سطحيةً قبل ذلك)..عرفت عنه أنه كان يعمل في البحرية الكندية، ولأنه من أبناء الريف، فإن شغفه بالأرض، وممارسته الفلاحة في أوقات الفراغ، قد أضافا إليه كثيراً، وشغلاه عن ملاهي الحياة الأخرى، ووسما جسده صحةً وبنياناً قوياً، رغم دخوله العقد الثامن من العمر.
ترك سكنه في الريف، وجاء إلى المدينة، واختار سكناً مجاوراً لابنة زوجته، الموظفة الكبيرة في أحد المصارف والتي رحل عنها رفيقها، بعد أن ترك لها طفلين صغيريْن، ليرعاهم ويقوم بخدمتهم، ومتابعة الطفليْن في المدرسة، وليعتني بحديقتها الصغيرة.
شجعني ذلك على أن أستأجره، لأعمال الحديقة، والأمور اليدوية الصغيرة، وكان يقوم بأداء ذلك عن قناعةٍ ورضىً، وإتقان..
قبل أسبوعيْن طرقت بابه:
- برايان، حشائش الحديقة توحّشت، وهي تحتاج همّتك..
-آسف، لم يعد لديّ وقتٌ كافٍ، أنا مشغولٌ بشركتي الخاصة، التي تستنفد أوقات فراغي، يمكنك العثور على أحد طلاب المدارس المجازين حالياً للقيام بأعمال الحديقة.
بعد اعتذاره ونصيحته لي، تركني حائراً أبحث عن شركة متخصصة في أعمال الحدائق، فيما انصرف هو لشركته المتخصصة في عمل الأوراق الإعلانية FLYERS.
العقلية الغربية مبرمجة على اقتناص فرص العمل بصرف النظر عن السن والخبرة، ونتيجةً لذلك لا تجد هنا من يستنكف أو تستنكف عن أي عملٍ مهما كانت طبيعته، والمؤسسات الرسمية تمنح ميزاتٍ ماديةً لمن يُضمّن أوراقه الخاصة شهادةً تفيد بأنه عمل خمسمائة ساعة في مجال العمل التطوّعي..
*ما زلت أغني: توقظني في الصبح قمريةٌ...على الغصون الخُضرِ إطلالها
في الروض منها، والفلا صحبةٌ..أشتاقها دوماً، وأشدو لها.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
09/06/2017
3048