+ A
A -
لعل أهم المؤشرات على طبيعة الأزمة التي تعصف بمنطقة الخليج العربي اليوم والتي بلغت ذروتها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر هي التصريحات التي صدرت عن مسؤولين رفيعين من الكيان الصهيوني. فقد صرح أكثر من وزير صهيوني بأن الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر هي دول تفتح نافذة جديدة للعلاقات العربية الصهيونية متهمين قطر بدعم الإرهاب.
من الأكيد أن الكثير من الكيانات تحاول اليوم استغلال التوتر الكبير الحاصل في العلاقات العربية البينية وخاصة العلاقات الخليجية ومنها إيران وإسرائيل لأنهما يحملان المشروع الأخطر على المنطقة وهما المستفيدان الأساسيان وبشكل مباشر من تمزق النسيج العربي. إن تصريح وزير الحرب الصهيوني أو تصريح سفير إسرائيل في الولايات المتحدة متحدثا عن صفحة جديدة في العلاقات العربية الصهيونية بعد الأزمة مع قطر لهي واحدة من أبرز المؤشرات التي تترجم طبيعة الحملة عليها والهدف من ورائها.
لقد مثلت السياسة الخارجية القطرية منذ أكثر من عقدين من الزمان نموذجا عربيا وإقليميا في المبادرة الحرة وفي التماهي مع تطلعات الشعوب وخاصة في رفض الانقلاب على الثورات وفي الاعتراف بالانقلابات التي ضربت المنطقة وخاصة الانقلاب المصري. كما شجعت قطر حرية الرأي وكانت الدوحة عاصمة الرأي والرأي المخالف وهو ما حرّك حفيظة الأنظمة الاستبدادية العربية التي كانت تراهن على سبات الأمة وعلى سبات الشعوب.
وبسرعة كبيرة تحولت هذه الدولة الصغيرة إلى فاعل نوعي في العلاقات العربية والدولية ونجحت في رأب صدع العديد من الخلافات العربية والإقليمية. هذا التحول السريع أثار حفيظة الكثير من الدول التي رأت في المنوال القطري خطرا على بقية المنوالات العربية لأنه يخرج عن القالب الذي فرض على المنطقة وعلى دولها.
رفضت قطر رغم كل الضغوطات ورغم كل المكائد القديمة بما فيها المحاولات الانقلابية الإعلامية الأخيرة الرضوخ إلى الابتزاز مؤكدة أنها لن تتنازل عن سيادتها وأنها لن تكون دولة هامشية بل دولة صاحبة قرار وسيادة في محيطها الاقليمي خليجيا، وفي محيطها العربي والإسلامي. هذا الرفض وهذا الإصرار على السيادة وعلى شروطها هو الذي يفسر الحملة الأخيرة عليها، والتي بلغت ذروتها مع قطع العلاقات، وما تبعه من إجراءات مفاجئة لم يكن أكثر المحللين تشاؤما قادرا على التنبؤ بها.
قطر تعبير متقدم عما يمكن أن تكونه الدولة العربية صاحبة المبادرة، وصاحبة السيادة، وليست مجمل الحملات التي تتعرض لها منذ عقدين تقريبا إلا ضريبة السيادة واستقلال القرار. ليس هذا الكلام رميا للورود بل هو الاستنتاج الموضوعي الوحيد للحملة ضدها باعتبارها دولة مقاوِمة من أجل تأكيد سيادتها، ومن أجل انتزاع سيادة قرارها.
بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
08/06/2017
3418