+ A
A -

زارتني منذ أيام إحدى جاراتي.. وكانت وكانت:
- كانت مبتسمة.. تلك البسمة الودودة الحانية وعلى إحدى يديها، حملت طفلها الصغير، وباليد الأخرى حملت لي أطباقاً من الحلوى.
- كانت معتدلة، فقد طرقت الباب بلطف ولأن اليوم كان سبت، فقد كنت مشغولة كون الأولاد ووالدهم بالدار، فصدقا لم أنتبه لطرقها الخفيف الهادئ. فهي لم تكن من النوع الذي يقشر البيض بالمطرقة أو يكسر الآنية بالدبابة أو يطرق على الباب كالفزعة، وحين أخبرتني ابنتي بكونها لمحت جارتنا وقفت ببابنا ثم غادرته، هرولت أناديها، فلبت مستجيبة غير متثاقلة.
- كانت حيية فرفضت الدخول حينما دعوتها للداخل رغم إصراري، على أن تصميمها كان أشد كونها لم تتصل مسبقاً أو تحدد موعد سلفاً للزيارة.
- كانت في حالها.. لم تسألني عن مهنتي، دراستي، راتبي أو راتب زوجي، برجي أو برجه.
-كانت بلا حشرية.. فلم تستجوبني عن علاقتي بأهل زوجي أو بسائر الجيران.
- كانت غير متطفلة.. إذ لم تمنحني ابتسامة زائفة لاستنطاقي أكنت محجبة أم سافرة، وهل سأسافر في الصيف وعن وجهة الرحلة ومدتها ومن سأصحب معي.
- كان الإنساني فيها عاليا والتعصب فيها منعدما، فلم تهتم بالتقصي عن جنسيتي، ديانتي أو أيدلوجياتي.
- كانت تنظر لي بحب ولم تسألني عن دخلي أو عن ثمن إيجار البيت أو عن مدرسة أبنائي أو قيمة مصروفات الدراسة.
- كانت كما أمرنا الله «لا تمدن عينك» فناظراها لم يتفحص زوايا البيت ولم تسترق النظر لاستكشاف المستوى الاجتماعي أو تعيين الوضع الاقتصادي لأهل الدار، بل لم ألمح فيها أي خائنة أعين.
- كانت تقدر الوقت والظرف، فلم تضيع لي وقتي في فارغ القول وهبائه.. ومن فعل ومن راح ومن سافر ومن عاد ومن قال ومن اشترى ومن تزوجت ومن انفصلت ومن ترملت.. بل أثرت لي روحي بشحنات إيجابية متدفقة.
- كانت جداً خلوقة ولغة جسدها شديدة الاحترام والتهذيب بل أجزم بكونها لم ترسل إشارات بلغة جسدها تناقض ألفاظها كما لم تتلاعب بالمعاني وصدقاً كانت محرومة من الزيف.. كما كان لديها وعي بحرمة المسافات واحترام الخصوصيات.
- كانت كريمة اليد والنفس فقد منحتني أطباق حلوى وذكرى أحلى وأطيب كما لم تبخل عليّ بمجاملة معنوية حينما قالت: «أنا وزوجي نشكر الله أنه وهبنا جيران طيبين مثلكم».. ثم مضت كحلم جميل.
- كانت تبدو سعيدة وراضية وقديماً قال الرحابنة «لا تكشف حزنك للناس فيهربون».. وقد بدت بطمأنينة واتزان ورضا من هذا النوع الذي وصفه المفكر الكبير د.مصطفى محمود في كتابه «الروح والجسد» بأنه «نوع من السعادة لا يوجد في كتب وإنما هي منحة الطبائع النقية والفطر السليمة والبصائر النَيِّرة.. فالمعاشرة الحلوة موهبة واقتدار، ليس لكل واحد حظ فيه».
- كانت ألمانية تقيم مع زوجها العربي الخلوق الطيب.. ولم ينهشها الفضول، كما يبدو أنها حديثة عهد ببلاد العرب.
اللهم ألمن جيراننا.
- كاتبة مصرية
EMAIL:[email protected]

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
03/06/2017
5156