+ A
A -
يبدو أن الرئيس الفرنسي الجديد «ماكرون» قد اجتاز مبدئيا بنجاح شبه باهر الاختبار الأولي لترسيم وضعه «الدولي» داخل السياسة الخارجية، بعد أن أقنع الفرنسيين خلال حملة انتخابية «مجنونة» بكاريزماه الرئاسية.
الأيام الأولى لخماسية الرئيس الشاب، تميزت بكثافة على مستوى الأجندة الدبلوماسية، كانت كافية لتقدم للمتابعين صورة تقريبية للملامح الكبرى للسياسة الخارجية لفرنسا خلال عهده.
صورة لم تكن واضحة تماما في أذهان الأوساط المهتمة، ذلك أن ماكرون لم يكن- في زمن الحملة الانتخابية- قد خصص حيزا موسعا ومدققا لبسط تصوراته بصدد العلاقات الدولية لباريس، على النحو الذي فعلته مرشحة اليمين المتطرف، والتي كانت قد اعتبرت نفسها الأكثر قدرة على الانسجام مع تحولات العالم، في صيغته المنقحة، بعلاماتها الثلاث الأكثر دراماتيكية: بريطانيا ما بعد «البريكسيت»، وروسيا «بوتين» لاعب الجودو الذي يحن إلى زمن الثنائية القطبية، فضلا عن القادم إلى البيت الأبيض على صهوة نفس الخطاب الشعبوي وهاجس الهويات القومية.
نعم، لقد كان قد اختار الدفاع- وحيدا- على خيار سياسي مؤمن بالهوية السياسية الأوروبية، وحافظ في موضوع العلاقة مع روسيا على مسافة معتبرة عن وجهات نظر مرشحي اليمين بمدرستيه: الجمهوري والشعبوي، ومرشح يسار اليسار، وكثيرا ما لمح إلى مرجعيته الدوغولية /الميترانية في بناء سياساته الخارجية، لكن الكثير من البياضات كانت تخترق تصوره إلى العالم.
وأكثر من ذلك، شكلت عوامل ضعف تجربته السياسية وخبرته في معالجة القضايا الدولية، إحدى الحجج المترددة على ألسنة خصومه، الذين طالما اعتبروه لا يتوافر على الجاهزية التي يتطلبها الإليزيه، وتستوجبها قيادة القوة الاقتصادية العالمية الخامسة، التي تحوز مقعدا دائما في مجلس الأمن، وتتوافر على سلاح نووي.
لكن الواقع، أن الرئيس الجديد، بمجرد انتخابه، تقمص باحترافية وسلاسة دور رئيس دولة كبرى في ساحة الأمم، لقد انتقل، كما تقتضي الأعراف وكما كان منتظرا من مرشح أوروبي مقتنع، في الساعات الأولى لما بعد تنصيبه إلى ألمانيا لأجل لقاء «ميركل» وهو يفكر في الخطوات المرتبكة والتائهة لهولاند في زيارته الأولى قبل خمس سنوات للعاصمة برلين، وبعد ذلك سيطير إلى «مالي» كأول زيارة خارج أوروبا، مستندا على قبعة القائد العسكري الملتزم بجبهات محاربة الإرهاب، ثم بعد ذلك سيتوالى الحضور «الرئاسي» الوازن والمحسوب، لماكرون داخل الدوائر الأكثر أهمية في السياسية الخارجية لفرنسا: بروكسل والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، حلف الناتو، مجموعة الثمانية، العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية، العلاقة مع تركيا، ثم العلاقة مع روسيا.
خلال هذا «الماراثون الصغير»، سيحتفظ الفرنسيون بصور متعددة، لعل أهمها ذلك الانتصار الرمزي في لعبة قبضة اليد مع رئيس أميركي يريد أن يحكم العالم بطريقته الخاصة في السلام مع زعماء الدول، عندما لا يفعل ذلك بواسطة تغريدات التويتر، قبل أن تحل محلها صورة الرئيس الفرنسي «الشرس» والمباشر وهو يستدرج الرئيس المفتون بعضلاته وبأمجاد الماضي الروسي إلى قلب فخامة «التاريخ» بقصر فيرساي.
وبين هاتين الصورتين المليئتين بموازين القوة وصراع الرموز، صورة ماكرون إلى جانب رئيس الوزراء الكندي، في ما يشبه بطاقة بريدية للطبيعة الميتة المتحررة من استعراض العضلات ولعبة قبضة اليد.
الصور الثلاث كانت كافية لكي تختار الصحافة الدولية هذا العنوان الحاسم: ماكرون يعيد فرنسا إلى العالم!

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
02/06/2017
2848